{ لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} .
الحسيس حركة النار وحسها ، أي أنهم يبعدهم الله تعالى عن النار بحيث لا يسمعون صوت اندلاعها واصطلاء أهلها بها ، ولكنهم يعلمون أين هم ، وهذا تأكيد لما جاء في آخر الآية السابقة{ أولئك عنها مبعدون} فهم مبعدون عنها بحيث لا يسمعونها ، وإذا كانوا مبعدين عن النار ، فهم{ في ما اشتهت أنفسهم خالدون} والذي تشتهيه نفوسهم نعيم مقيم ، وجنات تجري من تحتها الأنهار وغير ذلك مما ذكره الله تعالى فيما اشتملت عليه الجنة ، وما تشتهيه أنفسهم اطمئنان وقرار ، وبُعد عن اللغو ، وحور عين ، وأعظم ما تشتهيه أنفسهم رضوان الله تعالى ، فهو أكبر من اللذائذ ، بل هو لذة أهل الإيمان الأولى .
وفي التعبير بقوله:{ في ما اشتهت أنفسهم} إشارة إلى أنهم حرموا من شهوات الدنيا الآثمة فنالوها في الآخرة حلالا طيبا .
وهنا ملاحظتان بيانيتان:
أولاهما – أنه عبر عن نيلهم ما يشتهون بجعل ما يشتهون ظرفا لوجودهم ، فما يشتهون أحاط بهم إحاطة الظرف بمظروفه فهم يعيشون في دائرة ما يشتهون ، لا يخرجون عن دائرة إجابة رغائبهم ، فلا يحرمون من شيء يرغبونه .
ثانيتهما- أن الله أكد تمكنهم من رغائبهم فيها ، أكده ب{ هم} ، وبتقديم{ في ما اشتهت أنفسهم} للاهتمام والعناية ، والله سبحانه يجزي كل نفس ما كسبت وهو العليم الحكيم .