{ لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} .
الفزع الأكبر هو يوم ينفخ في الصور فتكون أنظار الذين كفروا شاخصة من شدة الهول ، إذ يصيبها الفزع ، ويقولون:{ إنا كنا عن هذا غافلين 172} ( الأعراف ) ، ولذلك يصابون بالحزن الشديد لأنهم لم يتوقعوه ولم يؤمنوا به ، بل أنكروه وكانوا عنه غافلين .
أما أهل الإيمان الذين سبقت لهم الحسنى من الله تعالى ، فإنه لا يحزنهم هذا الفزع ، بل هو فزع بالنسبة لغيرهم ، لأنهم توقعوه قبل أن يقع ، بل آمنوا بأنه سيقع لا محالة .
وقد يقول قائل:كيف يسمى الفزع الأكبر بالنسبة لهم وهم لم يفزعوا منه ؟ والجواب عن ذلك ، ذلك إنه في ذات أمر مفزع ، إذ إن الوجود كله يضطرب ، فالشمس تتكور ، والسماء تنفطر ، والجبال تصير هباء منبثا ، وكل الدنيا تضطرب بما فيها ، فهو في ذاته فزع ، فهو يروعهم بأحداثه ولكن لا يلقى في قلوبهم حزنا لأنه يوم جزائهم .
وإنه من بعد هذا اليوم المروع في ذاته ،{ وتتلقاهم الملائكة} أي أنهم مع اطمئنانهم ، وبعدهم عن الحزن والغم تتلقاهم الملائكة تلقي الكرماء لضيفانهم وكأنهم ينزلون في مضيف لا في دار حساب وجزاء ، وذلك يؤكد أمنهم وسلامتهم ، والتلقي بالتحية المباركة يزيل كل ما من شأنه حزنهم أو جزعهم ، أو غرابة حياتهم الجديدة التي كانوا يتوقعونها و يؤمنون بها{ هذا يومكم الذي كنتم توعدون} قدر المفسرون القول ، أي قول الملائكة ، والمعنى تتلقاهم الملائكة قائلين لهم هذا يومكم . . . . ونحن نرى أن قوله تعالى:{ هذا يومكم} هذا بيان للتلقي ، لأنه تحية لهم ، وتصديق لما اعتقدوا من قبل .
وقوله تعالى:{ الذي كنتم توعدون} بيان لوعد الله تعالى بالبعث والجزاء والجنة والنعيم والرضوان ، وقد ذكر سبحانه ذلك بعبارة تفيد التكرار ، واستمرار التذكير ، فالتعبير بالمضارع{ توعدون} فيه إشارة إلى الوعد المتكرر على ألسنة الرسل رسولا رسولا ، وقوله تعالى:{ كنتم} تفيد استمرار هذا التذكير لمن كان يتذكر ، وهم المؤمنون الأبرار .