وقد ذكر سبحانه ما مكن الله لسليمان بعد داود فقال:
{ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين} .
{ الريح} منصوبة بفعل العطف ، أي:وسخرنا لسليمان الريح ، كما سخرنا لداود الجبال وقلنا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ، وكذلك سخرنا لسليمان الريح أي جعلناها له ذلولا ، فأبوه كانت رواسي الجبال مسخرة له ، وهو كانت عواصف الرياح مسخرة له ، ومذللة له ، الرياح العاصفة هي الريح الشديدة في هبوبها ، بحيث تقوض القائم ، وقد وصف الله الريح بهذا الوصف للإشارة إلى أنها في قسوة هبوبها وعصفها لا تذر شيئا أتت عليه إلا أزالته ، زللها الله تعالى لسليمان ، فكانت تجري بأمره رخاء ، وقال تعالى:{ تجري بأمره} مع عنفها تهدأ له ، وتسري بأمره{ إلى الأرض التي باركنا فيها} ، وهي هنا مدينة "أورشليم"إذ استردها داود من أيدي التتر{[1517]} ، وكان الحاكم فيها وجاء من بعده سليمان عليهما السلام ، وإن ذلك كله بإرادة الله تعالى وعلمه ، ولذا قال:{ وكنا بكل شيء عالمين} وقدم الجار والمجرور للاهتمام بعموم علمه سبحانه ، والجملة السامية تدل على استمرار علمه سبحانه ، وأنه لا يغيب عنه شيئا في السماء ولا في الأرض ، ويدل على استمرار الوصف{ عالمين} وتقديم الجار والمجرور ، الجملة الاسمية المؤكدة ، وكان الدالة على الاستمرار .