وهكذا كان المسرفون مفسدين لنفوسهم ولمجتمعهم ، ولذا قال تعالى في وضعهم العام:{ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} .
وصف الله تعالى المسرفين في ذات أنفسهم أنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، ذلك بأنهم بإسرافهم على أنفسهم في شهواتهم ، وقواتهم ، وغرائزهم يميلون إلى الأثرة فيجعلون كل ما وهبهم الله لأنفسكم ، وليس لغيرهم حق من الحقوق ، فيكون الاعتداء الظالم ، ويكون التغالب لسيطرة الباطل ، وهضم الحقوق ، وأي فساد للناس أكثر من أن يكون قانون الغابة هو الحكم بين الناس ،{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ( 251 )} [ البقرة] فالمسرفون يفسدون دائما ولا يصلحون ، قرر الله لهم وصفين:إيجابي ، وهو الفساد المترتب على إسرافهم ، والوصف الثاني السلبي فقال:{ ولا يصلحون} أي لا يمكن أن يكون منهم إصلاح كالذي يدعيه الطغاة من الحكام ، والأقوياء من الأمراء من أنهم يصلحون بين الناس ، وإن الوجود في حاجة إليهم ، ولا نشعر ، فهذا النص السامي يرد كلامهم في أعناقهم ، إلا أن يخرجوا عن إسرافهم في نفوسهم ،وعلى مجتمعهم .
وقوله:{ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ} بدل من المسرفين ، أو عطف .
ونلاحظ ملاحظة بيانية ، وهي أنه تعالى عبّر عن الإسراف بالوصف للإشارة إلى أن الإسراف إذا استمكن في النفس ترتب عليه ذلك الفساد وعدم الإصلاح .