ويظهر أنهم كانوا زراعا ، ذوي أنعام وإبل ، فجاءت المعجزة من قبل ما يألفون ، ويربون ، وهو أنه أتى لهم بناقة هي ناقة الله ، وقد كان على علم بالجمال وخواصها ، وخصوصا إناثها كما كان قوم فرعون على علم بالسحر ، يعلمون ما هو سحر ، وما ليس بسحر ، كذلك هؤلاء يعلمون ناقة الله من بين نوق البشر ، قال لهم صالح .
{ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ( 155 ) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 156 )} .
الشرب الحظ من الماء المشروب ، وهذا هو حق الشرب ، والشرب في اصطلاح الفقهاء حظ الزرع من الماء ، والمراد قدر شرب الناقة ، وقوله:{ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} أي أن لهذه الناقة المخصوصة شرب يوم معلوم ولكم شرب يوم معلوم .
وهذه الناقة ناقة مولودة كسائر النوق ، أم أن الله تعالى أتى لهم بناقة خاصة لم تولد مثل سائر النوق ؟ ظاهر الآية أنها ناقة ولدت كسائر النوق ، ولكن كان لها خواص معلومة ، ففي شربها ولا تبقى منه شيئا وتدر في آخر النهار لبنا خالصا سائغا للشاربين ، والإعجاز ، في هذا ، ولكن روى عن ابن عباس أن الله تعالى جعل لهم ناقة خرجت من الجبل حمراء عشراء قد مضى لحملها عشرة أشهر ترد الماء فتشربه ، وتأتي بقدره تماما لبنا ، وهو كلام مقبول إذا ورد عن المبعوث محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو مبين القرآن وموضحه{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [ النحل] وإني أميل إلى أن أترك النص على عمومه ، ولكن لا بد أن نفرض أن لهذه الناقة خواص وصفات فيها ما يبهر العقول ، ويوجه الأنظار إلى قدرة الله تعالى ، وليكن من خواصها أن تشرب الماء في الغداة وفي العشي تعطي لبنا بقدره ، وهذا دال على قدرة الله تعالى ، وعلى أنها آية من آياته لها دلالتها وإعجازها وإثبات رسالة صالح عليه السلام .