ابتدأ شعيب دعوته في قومه بعد ذكر الأمانة التي توجب التصديق ، فقال:
{ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ( 181 ) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ( 182 ) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( 183 )} .
يظهر أن مدين أو أصحاب الأيكة كانوا قوما تجارا ، وإن الشرائع السماوية جاءت لمنع الاعتداء على المال ، وعلى الأنفس ، وإذا كانوا تجارا ، كأهل مكة فإن أخص ما يدعون به ألا يطففوا الكيل والميزان ، ولذا كانت أخص دعوة شعيب بعد التوحيد ألا يطففوا الكيل والميزان حتى لا ينالهم الويل الذي هدد به في قوله تعالى:{ ويل للمطففين ( 1 ) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ( 2 ) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( 3 )} [ المطففين] .
قال شعيب لقومه:{ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} .
أوفوا الكيل ، أعطوه في معاملتكم وافيا ، كامل الوفاء غير منقوص ،{ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} المخسر هو الذي ينقص المكيال ، فيدفع معامله إلى الخسران ، بألا يخسره ولا يعطيه حقه ، وقوله تعالى:{ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} أبلغ في الدلالة من ولا تخسروا ، ولأن معنى لا تكونوا من الطائفة التي اعتادت الإخسار ، لا تكونوا في صفوفهم فتصاب تجارتكم بالكساد ، لأن الناس لا يقبلون على الشراء ، إلا ممن استقام في طريقته ، وأعطى المتعاملين حقوقهم ، ولأن الإخسار أكل مال الناس بالباطل ، ولأنه ظلم ، والظلم نتيجته وخيمة دائما .