و إن الحق الثابت المقرر أن الفضائل الدينية هي حق على المؤمن لكل إنسان ، و يأتم إن لم يؤدها لكل إنسان ، ولذا قال تعالى ( بلى من أوفى بعهده و اتقى فإن الله يحب المتقين ) .
هذا تأكيد لبيان كذبهم على الله تعالى ، و بلى هنا معناها إثبات ما نفوه ، لأنها تجئ في القول لإثبات المنفي ، لقد نفوا أنه عليهم في الأمين سبيل ، فقال سبحانه بل عليكم فيهم سبيل ، و أنتم معذبون بما تجرمون في شأنهم ، ومثابون إن أوفيتم لهم بعدهم و آمنتم ، وقد علل سبحانه ذلك الحكم العادل بقضية دينية عامة ثابتة ، و هي قوله سبحانه:{ بلى من أوفى بعهده و اتقى فإن الله يحب المتقين} .
وإن معنى هذا النص السامى أن الذي ينال محبة الله تعالى ورضاه سبحانه ، لابد أن يتحقق فيه وصفان:
أولهما الوفاء بالعهد ، فكل ما يلتزمه من عهود ، سواء أكان موضوعها أمرا ماديا كأداء الأمانات أم كان الموضوع أمرا معنويا كالقيام بحق من الحقوق – الوفاء به يستوجب رضا الله سبحانه ، و كل غدر يكون فيه إبعاد عن رضوان الله سبحانه و محبته .
ويدخل في العهود ما أودعه الله سبحانه قلب كل إنسان من إدراك للحق ،وفهم له وإدراك لمعنى الدليل ،فإذا لم يذعن له ويعلنه لا يكون موفيا للعهد .
الوصف الثاني المستوجب لرضا الله ومحبته-هو التقوى بأن يشعر بحق الغير عليه ويؤمن به ،ويجعل بينه وبين الاعتداد أيا كان نوعه وقاية .
هذان هما الوصفان اللذان يستوجبان محبة الله تعالى ، وقد خلا اليهود منهما ،فليسوا من محبة الله في شئ ،وإن هذين الوصفين متداخلان فالوفاء بالعهد داخل في التقوى ،ولذلك قال سبحانه في جزاء الوصفين معا:{ فإن الله يحب المتقين}أي من أوفى بعهده واتقى فقد استحق محبة الله ،لأن محبة الله تعالى لا يعطيها إلا لأهل التقوى الذين يجعلون بينهم وبين غضب الله تعالى وقاية ، فيوفون بالعهد ويعطون كل ذي حق حقه ،ويخشون مقت الله وعذابه ،وأن الذي يسهل عدم الوفاء بالعهد أعراض الدنيا ،وهي ثمن لا يساوي شيئا في جانب عدم رضا الله تعالى ؛