{ أفغير دين الله يبغون}هذه الجملة السامية فيها تصريح بوحدة الرسالة فإن ما يجئ به الرسل جميعا واحد لا يتغير ،وهو دين الله تعالى ؛ومن خالفه فقد خالف دينه سبحانه ،ومن آمن ببعض الرسل ،وكفر ببعض آخر ،فهو يبغي غير دين الله ،ويطلب سواه ،ومعنى النص الكريم:انهم إذا اعرضوا عن تصديق محمد طلبوا غير دينه سبحانه .
والاستفهام هنا للتوبيخ ،واستنكار ما يفعلون ،وبيان ان مؤداه انهم يطلبون غير دين الله سبحانه وتعالى ،وأنهم لا يمكن ان يكونوا مؤمنين بنبي قط ،إذا أنكروا رسالة نبي من الأنبياء ،وخصوصا محمدا صلى الله عليه وسلم الذي جاء بكتاب مصدقا لمن بين يديه من الكتب .
وفي هذا الكلام إشارة إلى ان دين الله واحد لا يتجزأ ،فمن كفر ببعضه ،فقد كفر بكله ،وان حقيقة هذا الدين تتجلى في كل ما جاء به الرسل لا في بعضه ،وانه يتلاقى كله في مجموعه ،ولا يتعارض إلا ما يكون من جزئيات عملية ضئيلة ،فلا تختلف رسالات الرسل في قواعد كلية .
وهنا مباحث لفظية .أولها:ان الفاء هنا للترتيب والتعقيب ،وهي مؤخرة عن تقديم ؛لأن الاستفهام له الصدارة دائما ،والمعنى انه ترتب على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم انه وجه إليهم ذلك الاستفهام الإنكاري توبيخا لهم على ما فعلوا وما أنكروا ،وما ضللوا .
وثانيها:إسناد الدين إلى الله تعالى ،ففيه إشارة إلى ان من يكفر ببعضه غنما يكفر بالله ،لا بنبي من الأنبياء فقط .
وثالثها:{ تقديم المفعول على الفعل ،أي تقديم كلمة"غير دين الله"على"يبغون"ففيه تنبيه إلى موضع الاستنكار وهو انهم أرادوا غير دين الله تعالى ،فقدم المفعول لأهميته ،إذ هو موضع التنبيه والتوبيخ .
ورابعها:التعبير ب{ يبغون}بدل يريدون ،فإنه يفيد شدة إلحافهم وإصرارهم ،وفي ذلك إشارة إلى أنهم بذلك ظالمون .
وقد بين سبحانه ان ذلك المر الذي ابتغوه وطلبوه كان تمردا على الله ،وخروجا على طاعته ،مع انه سبحانه قد أسلم له كل من في السموات والأرض طوعا وكرها ؛ولذلك قال سبحانه:
{ وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} .أي انهم يبغون غير دين الله ،ويخرجون عن طاعته ؛مع انه قد أسلم له من في السموات والأرض طوعا وكرها ؛وتقديم الجار والمجرور لإفادة القصر ،أي له وحده ،لا لأحد سواه ،خضع واخلص كل من في السموات والأرض من عقلاء .{ طوعا وكرها}أي انهم خاضعون مستسلمون له بنوعين احدهما:بالطاعة ، والإخلاص ، والإذعان ،وقبول كل ما يحكم به ،والتقرب منه بعبادته ،وأولئك هم الأخيار .
وثانيهما:بالخضوع لقوته القاهرة ،وكونه سبحانه مسير الأكوان ؛لأنه لا أحد من الخلق له أثر في تسييرها ،وفيما يكسب من خير وشر ،والجميع في قدرته وحفظه ،وهذا الخضوع هو الخضوع كرها وقسرا ،وهو سار على الخيار والأشرار .
ثم هددهم سبحانه بقوله تعالى:{ وإليه ترجعون} .أي إليه وحده المرجع والمآب ،يحاسب كلا على ما صنع من خير وشر .
اللهم اغفر لنا وارحمنا ، وأنت خير الراحمين .