{ الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}
/م75
سبيل الله تعالى هي سبيل الحق الثابت الذي لا يكون فيه العدل ، ولا يكون بغي ولا فحشاء ولا أذى ، وفيه قيام المصالح ودفع المفاسد ، والطاغوت هو فَعَلُوت من طغى ، وهو مجاوزة الحد ، والبغي الشديد ، وترك الخير ، وفعل الشر ، والسعي في الأرض بالفساد .
وهنا مقابلة بين قتال أهل الإيمان ، وقتال أهل الكفر- بالغاية منهما- فغاية المؤمنين نصرة الحق ودفع الفساد ، وغاية الكافرين نشر الظلم والفساد في الأرض ، ولو ترك الظالمون من غير أن يقاومهم أهل الحق ، لعم الفساد ، وذهب الخير ، وهدم الحق ، كما قال سبحانه:{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين( 251 )}( البقرة ) .{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صوامع وبِيَع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز( 40 )}( الحج ) .
وإن السبب في أن يجاهد المؤمنون في سبيل الله ، وهي سبيل الحق ورفع الإنسانية ، والمحافظة على كرامة الإنسان ، هو إيمانهم فالإيمان يدفع إلى أسمى الغايات ، والدفاع عنها ، وذلك السمو هو سبيل الله تعالى ، والكافرون لعدم إيمانهم بالمثل العليا الإنسانية يقاتلون في سبيل الطغيان والسيطرة الظالمة على الأرض .
وإن هذه ظاهرة ثابتة ، فالقتال في ظل الدين والتمسك بمثله العليا ، رفعة للإنسانية ، ومنع الفساد ، ومنع لتحكم الرذيلة في الفضيلة ، والماضي ينبئ عن ذلك ، فقتال النبي والصحابة من بعده كان فيه حد من طغيان الملوك ، وظلم الظالمين ، ونشر للواء العدل ، ومنع للفتنة في الدين ، وتحكم الإنسان في أخيه الإنسان . وقد وصف الله المؤمنين إذا انتصروا ، فقال سبحانه وتعالى في أحوالهم:{ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر( 41 )}( الحج ) ، أي أنهم إذا انتصروا رفعوا لواء العدل ، وأقاموا مجتمعا فاضلا على أساس من الفضيلة ودفع الرذيلة .
وأما الذين لا يذعنون للحق ، ولا يؤمنون به ولا يقيمون للفضيلة وزنا ، فإن قتالهم في سبيل الغلب ، والسلطان الغاشم ، والتحكم والسيطرة ، وإن الماضي والحاضر يشهدان بصدق ذلك ، وإن العيان ليؤيد هذه الشهادة الصادقة . ألم تر إلى أولئك الذين يتحكمون الآن في مصاير العالم ، لا يفكرون إلا في الغلب على قطعة من الأرض يستولون عليها ، أو يبسطون نفوذهم فيها ، وما ذلك إلا طغيان المتحكمين المسيطرين في بلادهم ! وانظر نظرة عميقة إلى أولئك الذين وضعوا أيديهم على أدوات الحرب المخربة ، التي إذا ألقيت لا تبقي ولا تذر ، وتأكل الأخضر واليابس ، فإنهم يتغالبون على النفوذ ، ولو استشيرت أممهم فردا فردا ، لاستنكروا ما هم مقدمون عليه أو يكادون ! فالحروب التي يثيرها الكافرون في هذا الزمان لا يدفعها إلا طغيان أفراد معدودين ، يتحكمون في الشعوب ومصايرها ، بطريقة أقسى مما كان يتحكم الملوك من قبل ! .
{ فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} إذا كان الكافرون يقاتلون في سبيل الطغيان ، والظلم والسيطرة والفتنة في الدين ، وإكراه الناس ، حتى لا يستمروا على إيمانهم فإن على المؤمنين أن يقاتلوهم لأنهم نصراء الشيطان ، أو الذين دخلوا في ولايته . ومعنى النص السامي:قاتلوا أيها المؤمنون الذين ارتضيتم سبيل الله طريقا ، ونصرة الحق منهاجا ، الكافرين الذين اتخذوا الشيطان لهم وليا يوالونه ، ونصيرا لهم ينصرهم في زعمهم ، وذلك لأنكم تُعلون الحق ، وتدفعون الأذى ، وتمنعون الشر والفتنة في الدين ، وتحاربون الفساد . ولا تخافوا من هؤلاء الذين يوالون الشيطان ، ويزعمون أنه ينصرهم ، فإنهم يتبعون تدبير الشيطان لهم ، أي يتبعون وساوس أنفسهم ، وأهواءها التي يتحكم فيها الشيطان ويسيرها . وتدبير الشيطان مهما يكن ، لا يكون قويا ينتصر به أهل الكفر والفساد على أهل الحق . وضعف ذلك الكيد والتدبير الذي يدبره الكافرون وإبليس معهم ، سببه أنهم تسيطر عليهم الأهواء ، والأهواء تفسد الفكر وتفسد الأعمال ، وتوجد الشحناء . وأهل الحق لو اتخذوا كل أسباب القوة ، واعتزموا أمورهم ودبروا تدبيرهم ، وقد جانبوا الهوى والشهوات ، هم غالبون محالة ، وما يغلب أهل الباطل إلا لعدم اتخاذ أهل الإيمان الأسباب .
وسمى الله سبحانه تدبير الكافرين مع شيطانهم{ كيد} ، لأنهم لا يقصدون بالتدبير رفع حق أو خفض باطل ، بل الكيد والأذى لأهل الحق .
اللهم اهد المؤمنين إلى أسباب القوة ، وأخذ الأُهبة ، وإعداد العدة للجهاد في سبيلك ، سبيل الحق والكرامة والسمو والعُلو .