{ ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول}
/م79
إنما يقول المسلمون جميعا:أمرنا معك طاعة وخضوع لما تطلب ، فليس لنا إلا أن نطيعك ، ولا يجوز أن نخالفك لأن طاعتك هي طاعة الله ، فأنت فينا المطاع دائما وقد قصرنا أحوالنا على طاعتك .
هذا قول المسلمين عامة ، ولكن المؤمنين يقولون ويذعنون ظاهرا وباطنا ، وسرا وإعلانا ، والمنافقون يقولون ذلك بظاهر من القول ، وهو ينوون المخالفة ويصرون عليها ولا يتركونها ، وهم الذين يقول الله تعالى فيهم:{ فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول} ، أي فإذا خرجوا من عندك بارزين ظاهرين غير مستخفين ، أخذوا يتدبرون فيما بينهم الأمر الذي يكون مخالفا للطاعة والتعبير عن الخروج بالبروز للإشارة إلى تفاوت ما بين أحوالهم ! وتضارب مظهرهم مع خبيئتهم . ويقول الزمخشري في المعنى اللغوي للتبييت:( والتبييت إما من البيتوتة لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل ، ويقال:"هذا أمر بُيِّت بليل". وإما من أبيات الشعر ، لأن الشاعر يدبرها ، ويسويها ) ، وعندي أن هذا المعنى غريب ، ولكن الأولى هو الأول مضافا إليه معنى التزوير والتحسين ، لأن( بيّت ) تتضمن معنى التزوير والتمويه . والمعنى على أي حال أن هذه الطائفة بعد خروجها من عندك ، تدبر أمر مخالفتك ، وتحسن هذه المخالفة وتزينها لنفسها في خفاء ، والله يعلم ما يسرون وما يلعنون ولذا قال:
{ والله يكتب ما يُبَيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله} والله سبحانه وتعالى يعلم ما يبيتون ، فلم يكن خافيا قبل أن يقع ، ولم يزدد به علما بعد الوقوع ، فهو يعلم ما كان وما يكون إلى يوم الدين . وفي هذه الجملة تهديد لهم وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم ، بل إن علمه به علم ما يكتب وما يسجل عليهم ، ليكون مرئيا لهم في صحائف أعمالهم يوم القيامة ، وليعلم نبيه بتدبيرهم السيئ ونيتهم ، ليتقي شرهم ويحفظه من أذاهم ، فإنه هو ناصره وكافله . وإذا كان الله تعالى يكتب عليهم ما يخفونه ، فليس للنبي أن يأبه لهم والله حافظه وكالئه ، ولذلك أمره بألا يلتفت إليهم ، ولا يأخذه هم في شأنهم وليعتمد على الله ،وليكل إليه أموره ، ولا يكل أموره إلى غيره ، وإنه إن توكل على الله حق التوكل ، حفظه ، وكفاه شرهم ، ولذا قال سبحانه وتعالى:{ وكفى بالله وكيلا} .
والمعنى:يكفيك أن الله تعالى هو الموكل بأمرك ، وهو حافظك وكالئك وحاميك ، ومن كان الله تعالى وكيله والموكل بأموره ، فلن يضيع أبدا .
اللهم هيئ للمسلمين أسباب العزة ، ووفقهم للعمل الصالح ، واجعلهم يكلون مآل أمورهم إليك ، إنك نعم المولى ونعم النصير .