( فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ ) عثر الرجل يعثر عثرا إذا وقع على أمر لم يكن معلوما من قبله ولم يقع عليه غيره ممن يهمهم ويقال:أعثرت فلانا على أمر أطلعته عليه وكل من اطلع على أمر كان خفيا يقال:قد عثر عليه ، والعثور على الشيء يكون الغالب العلم الذي لم يكن له مقدمات عنده بل ربما يكون الإطلاع عليه بالمصادفة .
والأمر في هذه الحال الذي يموت فيها الموروث يكون محل جهل إذ يموت في لا طريق للعلم إلا عن طريق هذين الشاهدين اللذين لهما مع الشهادة صفة الوصية والعثور يكون بمثل الاطلاع على شيء من ماله عندهما لم يكن قد جرى ذكره على لسانهما ومعروف عند ورثته أنه كان يملكه أو يظهر عليهما يسار مفاجئ ويتبين من قرائن الأحوال أنه كان من ماله أو يظهر من كتب أرسلها المتوفي قبيل وفاته تدل على ما كان يملكه عند الوفاة ولم يذكرا في شهادتهما وهكذا يكون العثور على شيء لم يكونوا يعلمونه .
ومعنى قوله تعالى استحقا إثما ، أي أنهما خانا في الأمانة فلم يقوما بحق الوصاية وكذبا في الشهادة فلم يصدقا ، وحلفا يمينا غموسا تغمس صاحبها في النار ، فاستحقاقهما للإثم بسبب ذلك الكذب وتلك الخيانة والحلف الكذب وقوله تعالى:( استحقا إثما ) تتضمن كل هذه المعاني وغيرها ، والإثم هو هذه المعاني كلها والعثور على ما يتضمن ضياع حقوق الورثة وذهاب أموالهم وما قالوه فيه بخس لما يستحقونه وضياع لما يملكون إذ قوله تعالى حين الوصية أي حين إخبار المتوفي بأمواله وإيصائهم بالمحافظة عليها ، وتوزيعها بين مستحقيها وإذا كانت جناية هؤلاء على المستحقين للتركة ، فالقول قول المستحقين يدلون به ، ولذا قال سبحانه:( فآخران يقومان مقامهما ) أي فشاهدان آخران يقومان في إحقاق الحق وإظهار الحقيقة وبيان ما خفى من إرادة المتوفى وأمواله وما له من حقوق وعليه من واجبات مقام الأولين وهذا التعبير من ألطف التعابير بعد ظهور الإثم ، إذا إنه ينبئ عن التعاون بين هؤلاء الآثمين والأبرياء في إظهار الحق إذ إن المجنى عليهم يقومان مقام من جنوا .
وقد بين سبحانه من الذين يختار منهم الآخران اللذان يقومان فقال سبحانه:( من الذين استحق عليهم الأوليان ) في هذا النص السامي بيان من يختار منهم وكيف يختاران والضمير في قوله تعالى ( استحق عليهم ) يعود على الإثم المذكور في من استحقا إثما وهو الفاعل ؟ والمعنى أن الذي يكون منهم الآخران الذين استحقا الإثم عليهم أي حقت آثاره ومغيبته عليهم وهم الورثة وهذا على قراءة الفعل بالبناء للمعلوم ، ومعناها – كما رأيت – الذين حقت عليهم الإثم ونتائجه وهم المستحقون للمال بعد وفاة المتوفي بوصية المورث أو بوصية الله تعالى بالميراث وهناك قراءة بالبناء للمجهول{[995]} ومعناها الذي استحق عليهم أي اخذ منهم بمقتضى الشهادة الباطلة والمؤدى في القراءتين واحد .
ذكرالنص انهما الاوليان بالنطق بالحق لاجل الورثة اما لانهم اقرب الورثةاو لانهما ارشدهم او الحق بمحبتهم
ومعنىالنص الكريم على هذا أن اللذين شهدا المتوفي عند وفاته هما أولى الناس بذكر الحقيقة وان كان ارتياب يحبسان بعد الصلاة ويستقسمان قسما موثقا فإن ظهر ما يدعو الى تكذيب شهادتهما في كلها أو في بعضها كان للمستحقين للتركة حق الشهادة ويختار أولاهما بالتحدث عن المتوفي وهذا معنى ( أوليان ) وهي خبر لمبتدأ محذوف وتدل على طريقة الاختيار وان هؤلاء لأن المال يئول إليهم لا يقبل قولهم إلا بيمين لأنهم بمنزلة المدعى عليه بكلام الأوصياء الذين يكذبونهم ولذا قال سبحانه:
( فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِين ) .
الفاء هنا للإفصاح عن شرط مقدر ، وتقديره إذا كانا يتقدمان لإحقاق الحق قلا بد أن يقسما بالله ، وهنا إيجاز معجز ، إذ يقسمان بالله تعالى على الختل{[996]} في الأمانة وعلى ما يريان أنه الحق ، ثم يقسمان مع ذلك على أمرين أولهما أن شهادتهما أحق بالقبول من شهادة الآخرين لصدقها ولظهور الخيانة في قولهم ، ولأنه فقدت قوتها لعدم الأمانة وثانيهما أن يقسما على أنهما ما اعتديا بأخذ ما ليس بحقهما وكان التعبير بنفى الاعتداء لأنهما مطالبان والمطالب يخشى اعتداؤه لأنه كذبه يتضمن اليمين الغموس ، ويتضمن الأخذ بغير حق ، فيكون اعتداء ولقد أكد الله سبحانه وتعالى عليهم عدم الاعتداء بان يقولوا:( إنا إذا لمن الظالمين ) وذلك فيه تأكيد لعدم الاعتداء وبيان أن شهادتهما أحق من شهادة الأولين إذ لو لم يكونوا صادقين لكانوا ظالمين وقد أكدوا ظلمهم بأربعة مؤكدات:أولها ، الجملة الاسمية وثانيها بأن المؤكدة وثالثها بثبات أن الحكم بالظلم له مقدماته فيكون منطقيا ورابعها:دخولهم في زمرة الظالمين وخروجهم من طائفة الابرار الأخيار .
وغن ذلك كله تقريب للحق ، وبعد عن الباطل ولا يمكن أن يكون الحق مؤكدا من كل الوجوه بل لا بد من التقريب دون التحديد ولذلك قال سبحانه:( ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ) .