( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) هذا النص فيه معنى التفسير للآية السابقة ، لأنه يبين عموم العصيان والاعتداء فيهم ، لأن الاعتداء في الكثير يقع من بعضهم ، فكيف ينسب إلى كلهم ، وفي هذا النص إشارة إلى أن سبب فساد الأمم في عمومها هو السكوت على المنكر فيها ، والمنكر هو الأمر القبيح في ذاته وينهى الشارع عنه ، والتناهي يطلق بإطلاقين ، وهو الانتهاء عن الفعل الآثم ، ومعنى النص على هذا:أنهم يعصون الله تعالى ما أمرهم ويصرون عليه ، ويستمرون على فعلهم ، فلا يتوبون ولا يرجعون ولكن ليس هذا هو الظاهر المشهور .
والإطلاق الثاني لمعنى التناهي بعضهم بعضا إذا وقع المنكر فيهم وهو الظاهر والتناهي عن المنكر يشتمل على ثلاثة معان كلهاداخل فيه:
أولها ، أن يوجد فيهم ناه عن الشر يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر سواء أكان الناهي عددا كبيرا أو كان عددا قليلا ، فليست الكثرة مطلوبة انما المراد الوقوع منه .
ثانيها ، أن يمنع الفعل قبل وقوعه أو يقلله بدفع الكثير منه .
ثالثها:أن يستنكره ، لأن السكوت عنه رضا ، وبذلك الاعتراض الذي أورده بعض المفسرين وهو كيف يتصور النهي عن الفعل بعده ، فنقول:إن النهي عن المنكر بعد وقوعه إنما هو استنكاره ، لأنه يمنع الفعل في المستقبل .
وقد نسب الفعل إليهم أجمعين إذ وقع من بعضهم وسكت عنه سائرهم ولذا قال سبحانه:( لبئس ما كانوا يفعلون ) وقد أكد سبحانه وتعالى نسبة الفعل إليهم باللام والقسم المطوي ، وذمهم مؤكدا فالفعل بئس يدل على الذم ، والذم كان منصبا على الفعل رجاء إيمانهم وقد روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( من رضى عمل قوم فهو منهم ، ومن كثر سواد قوم فهو منهم ){[968]} .
والآية تدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام الأمم ، ولا صلاح لهم إلا إذا قاموا بحقه ، فالأمم تصلح بالمعروف ، وتفسد بتركه ، ولذلك اعتبره القرآن خاصة الأمة الإسلامية ، وبه خيرها ، قال تعالى:( كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله . . .110 ) ( آل عمران ) .
وقد قال عليه الصلاة والسلام:( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم ){[969]} . ويقول عليه الصلاة والسلام:( إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ){[970]} . ولقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ضياع المسلمين عندما يختفي فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد روى أنس ابن مالك ، أن بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه قائلين يا رسول الله:متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال صلى الله عليه وسلم:( اذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم ) قالوا:يا رسول الله ، وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال صلى الله عليه وسلم:( إذا كان الملك في صغاركم ، والفاحشة في كباركم والعلم في رذالكم ){[971]} .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عصام الأمة وهو مكون الرأى العام الفاضل ، ويقال:إن الأمة كلها تعصى إذا ظهر العصيان ولم يستنكره .