لوط - عليه السلام – وقومه
قال تعالى في هذه القصة في هذا الموضع ، وقد كان لوط في عصر إبراهيم ، وله قرابة ، وما بينه وبين إبراهيم نؤجله للبيان القرآني في موضعه .
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ ( 80 ) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ( 81 ) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ( 82 ) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ( 83 ) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ( 84 )
كان قوم لوط ، أفحش القوام العربية فجورا ، وانحرافا وإسرافا ، فكانوا مع إشراكهم قد انحرفوا عن الفطرة وشذوا عنها ؛ ولذا كان أول ما واجههم به نبي الله لوط أن ذكر لهم تلك الجريمة البشعة التي شذوا بها عن الفطرة ، والإنسانية ، والأخلاق العربية .
{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ ( 80 ) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ( 81 )} .
وقوله تعالى:{ ولوطا} مفعول لفعل محذوف ، تقديره واذكر لوطا ، وهو في هذا يذكر مساوئ الشرك وأهله ، فإذا أضلهم عبادة غير الله فهو انحراف في الفكر والنفس يؤدي إلى أعظم الانحراف في العمل:{ إذ قال لقومه} ، وذكر قومه يدل على أنه ليس دخيلا بينهم ، بل هو من أسرتهم وجماعتهم ، ولكنهم انحرفوا عن الإنسانية ، قال لهم:{ أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} الفاحشة:الأمر الزائد زيادة فاحشة بعيدة عن كل معقول ، ما سبقكم بها أحد من البشر أي اخترعتموها لانحراف نفوسكم وعقولكم عن حكم الفطرة ، فارتكبتم فاحشة لم يقع أحد من الناس قبلكم ، وفسرها بعد ذلك الحكم القاسي الذي يليق بهم وأمثالهم من شواذ بني الإنسان{ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء} أكد لوط – عليه السلام – فعلتهم النكراء ، ب إن ) وباللام . يأتونهم أي يضعون فيهم ما يوضع في النساء ، وعبر بالرجال لبيان مخالفة الفطرة بوضع ما هو للنساء في الرجال ، وهذه شناعة لا حدود لها ، ويظهر أنها كانت معروفة عند اليونان والرومان ولكن ليست شائعة ؛ ولذا وجد خالد بن الوليد عند فتح الشام مثل هذه فأرسل إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر – رضي الله عنه – يخبره بأنه رأى عجبا ، رأى الرجل يفترش الرجل كما تفترش النساء ، فسأل عن هذه الحال ، فاستشار الصحابة في حكم هذه الحال والحد الواجب .
وقوله:{ شهوة} مفعول مطلق لمحذوف تقديره ، تشتهونهم شهوة من دون النساء ، أي يكون منكم ما يكون للنساء ، وهو في الفطرة . وهذا بيان لعكسهم للفطرة ، إذ يشتهون ما ليس موضع شهوة لانحراف نفوسهم وعقولهم ، وإنسانيتهم ، مضربا عن ذلك بالترقي في أوصافهم بقوله:{ بل انتم قوم مسرفون} وبل هنا للإضراب بيان أوصافهم ، فوصفهم بأنهم مسرفون في البهيمة ، إذ أتوا ما لا ترضى به البهائم ، ومسرفون في التفحش إذ خرجوا على سنة الإنسانية ، ومسرفون في هذه العادة الشاذة ، فهم يعرضون عن النساء ، ويطلبون الرجال ، ومسرفون في أفعالهم ، فإن من يشيع فيهم هذه الحال تكون كل أفعالهم شذوذا في شذوذ ، كما ترى الآن في أمريكا ، وما يشبهها ممن تقع فيهم هذه الحال ، حتى إنه في إنجلترا يعترف بأن للشباب أن يتزوج الشاب ، وتحترم هذه العلاقة الشاذة .