من قصة شعيب عليه السلام
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( 85 ) وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ( 86 ) وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ( 87 )
بعث الله – سبحانه وتعالى – بعد لوط صالح إلى مدين ، أخاهم شعيبا ، ولم يذكر في القرآن الكريم معجزته التي ثبت بها أنه رسول الله ، ولكن عدم ذكرها لا يدل على عدم وجودها ، فإن كل نبي بعث ومعه ما مثله آمن عليه البشر ، فما بعث نبي إلا ومعه حجته ، وإن لم يكن من حجة فلا بد أن يطالبوه بها ، وإذا كان القرآن الكريم لم يذكر معجزته فلم يذكر أنهم طالبوه بمعجزة دالة على الصدق ولكنهم جحدوا واستكبروا .
وما ذكره القرآن الكريم من رسالة شعيب - عليه السلام – يدعو على أنه دعا إلى ثلاثة أمور:
أولها – عبادة الله تعالى وحده ، وهي لب الرسالة ، وهي أول ما نادى به:{ قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم} ناداهم:
{ يا قوم} للإشارة إلى ما يربطهم به من نسب ، وأنهم أولى بتصديقه ، وأولى الناس بأن يصدقهم ولا يكذبهم ، وقال:{ قد جاءتكم بينة من ربكم} أي معجزة مبينة رسالته ، وهذا دليل على أنه مع هذا الرسول الأمين معجزة ملزمة تحدى بها ، وعجزوا أن يأتوا بمثلها .
ثانيها – أنه جاء بإصلاح اقتصادي اجتماعي ، ومظهره الوفاء بالكيل والميزان في التعامل:{ فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم} ومقتضى هذا الأمر بالوفاء في الكيل والميزان في كل ما يتعاملون فيه ، ومقتضاه ثانيا ألا يبخسوا أي لا ينقضوا الناس أشياءهم أي حقوقهم ، فلا يأكلون أموال الناس بالباطل ، ولا يرشوا الحكام ، ولا يمطلوا الدين وهم قادرون ، وأن يعطوا كل ذي حق حقه كاملا غير منقوص ، ولا ممطول ، ولا يكون تطفيف فيه على وجه ولا تصعيب في الأداء .
ثالثها – ألا يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ، ولذا قال – عليه السلام – فيما طلبه إلى قومه:{ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين} ، أي بالحق ؛ ذلك أن إعطاء الناس حقوقهم كاملة غير منقوصة خير لكل جماعة ؛ لأنها متوادة متراحمة ، ويكون أداء الحقوق قوة لها في نفسها وأمام أعدائها ، فلا قوة لأمة إلا بإقامة العدل والقسطاس ، وإعطاء كل ذي حق حقه من غير وكس .