هذا شأن المهاجرين الذين آمنوا والذين آووا ونصروا ، وقد ذكر بعد ذلك شأن الذين يهاجرون ويؤمنون من بعد ، فقال تعالى:{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
باب الإيمان مفتوح ، وباب الهجرة مفتوح ، وميدان الجهاد متسع للجميع ، فلم يغلق على المجاهدين الأولين ، ويحكم الرتاج على من بعدهم ، لا بل هو مفتوح وهذه الآية الكريمة تلحق الذين يؤمنون كمن بعد ويهاجرون بالأولين الذين هم المؤمنون حقا ، ولهم مغفرة ورزق كريم ( 1 ){[2]} .
يقول تعالى:{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ} ، أي من بعد نزول الآيات الكريمات ، ويفعلون فعل من سبقوهم فيهاجرون ويجاهدون معكم لا فرق بينكم وبينهم في الميدان فأولئك منكم ، ومثل هؤلاء أبو موسى الأشعري ، ومن معه من الأشعريين ؛ ولذلك يقول سبحانه وتعالى:{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ} ، أي أولئك يصيرون جزءا منكم لهم حكمكم ، ولهم ثناؤكم ، لا تعلون عليهم لأنهم منكم ، فالمهاجر الأول والذين آووا ونصروا لهم فضلهم ، ويلحق بهم في الفضل والثناء والجزاء من آمنوا من بعد وأبلوا مثل بلائهم ، ولم يختلفوا عنهم في الفضل وإن تخلفوا في الزمن ، وهو لا حساب فيه عند الله ما دام الإيمان والجهاد والهجرة قد تحقق فيهم .
هذا ولاء المؤمنين بعضهم مع بعض ، وكهدى القرآن لا يمحوا ولاء الفطرة ولا يمحوا الولاء العام ، ولاء الأسرة لأنه يدعمه ويقويه ، ولذلك جاء ولاء الأسرة بعد الولاء العام ، فقد قال تعالى:{ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
أي في حكم كتاب الله تعالى ، ومقررات الإسلام الثابتة ، فالأسرة لا تفنى بجوار الإيمان ولكن تقوي دعائم المجتمع الإسلامي .