قوله تعالى:{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} .
لم يبين هنا هذا الذي أجمعوا أمرهم عليه ،ولم يبين هنا أيضاً المراد بمكرهم ؛ولكنه بين في أول هذه السورة الكريمة أن الذي أجمعوا أمرهم عليه هو جعله في غيابة الجب ،وأن مكرهم هو ما فعلوه بأبيهم يعقوب وأخيهم يوسف ؛وذلك في قوله:{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ في غَيَابَةِ الْجُبِّ} [ يوسف: 15] إلى قوله{وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[ يوسف: 18] .
وقد أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ؛لأنه أنزل عليه هذا القرآن ،وفصل له هذه القصة .مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضراً لدى أولاد يعقوب حين أجمعوا أمرهم على المكر به ،وجعله في غيابة الجب .فلولا أن الله أوحى إليه ذلك ما عرفه من تلقاء نفسه .
والآيات المشيرة لإثبات رسالته ،بدليل إخباره بالقصص الماضية التي لا يمكنه على حقائقها إلا عن طريق الوحي كثيرة ؛كقوله:{وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [ آل عمرن: 44] الآية .
وقوله:{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الأمْرَ} [ القصص: 44] الآية .
وقوله:{وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً في أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [ القصص: 44] .
وقوله:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ}[ القصص: 46] .
وقوله:{مَا كَانَ لي مِنْ عِلْمٍ بِالْمََلإِ الأعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِن يُوحَى إِلَىَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}[ ص: 69-70] .
وقوله:{تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا} .[ هود:49] الآية .إلى غير ذلك من الآيات .
فهذه الآيات من أوضح الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم ،رسول كريم ،وإن كانت المعجزات الباهرة الدالة على ذلك أكثر من الحصر .