قوله تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً 103} .الآية .
المعنى: هل لهم يا نبي الله: هل ننبئكم أي نخبركم بالأخسرين أعمالاً ،أي بالذين هم أخسر الناس أعمالاً وأضيعها .فالأخسر صيغه تفضيل من الخسران وأصله نقص مال التاجر ،والمراد به في القرآن غبنهم بسبب كفرهم ومعاصيهم في حظوظهم مما عند الله لو أطاعوه ؛وقوله{أَعْمَالاً} منصوب على التمييز:
فإن قيل: نبئنا بالأخسرين أعمالاً من هم ؟
كان الجوابهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ،وبه تعلم أن «الذين » من قوله{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ} خبر مبتدأ محذف جواباً للسؤال المفهوم من المقام ،ويجوز نصبه على الذم ،وجره على وأنه بدل من الأخسرين ،أو نعت له ،وقوله{ضَلَّ سَعْيُهُمْ} أي بطل عملهم وحبط ،فصار كالهباء وكالسراب وكالرماد !كما في قوله تعالى:{وقدمنا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هباء مَّنثُوراً 23} ،وقوله:{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} الآية ؟وقوله:{مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} ومع هذا فهم يعتقدون أن عملهم حسن مقبول عند الله .
والتحقيق .أن الآية نازلة في الكفار الذين يعتقدون أن كفرهم صواب وحق ،وأن فيه رضى ربهم ؛كما قال عن عبدة الأوثان:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ ليقربونا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ،وقال عنهم{وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} ،وقال عن الرهبان الذين يتقربون إلى الله على غير شرع صحيح:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ 2 عَامِلَةٌ ناصِبَةٌ 3 تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً 4} الآية ،على القول فيها بذلك .وقوله تعالى في الكفار:{إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أولياء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ 30} وقوله:{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ 37} والدليل على نزولها في الكفار تصريحه تعالى بذلك في قوله بعده يليه{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} الآية .فقول من قال: إنهم الكفار ،وقول من قال: إنهم الرهبان ،وقول من قال: إنهم أهل الكتاب الكافرون بالنَّبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك تشمله هذه الآية .وقد روى البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سأله ابنه مصعب عن «الأخسرين أعمالاً » في هذه الآية هل هم الحرورية ؟فقال لا هم اليهود والنصارى .أما اليهود فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم .وأما النصارى فكفروا بالجنة ،وقالوا لا طعام فيها ،ولا شراب .والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ،وكان سعيد يسميهم الفاسقين .ا ه من البخاري .وما روي عن علي رضي الله عنه من أنهم أهل حروراء المعروفون بالحروريين معناه أنهم يكون فيهم من معنى الآية بقدر ما فعلوا ،لأنهم يرتكبون أموراً شنيعة من الضلال ،ويعتقدون أنها هي معنى الكتاب والسنة ،فقد ضل سيعهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .وإن كانوا في ذلك أقل من الكفار المجاهرين ؛لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما قد قدمنا إيضاحه وأدلته .