وقوله في هذه الآية:{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من مال وولد ،أي نسلبه منه في الدنيا ما أعطيناه من المال والولد بإهلاكنا إياه .وقيل: نحرمه ما تمناه من المال والولد في الآخرة ،ونجعله للمسلمين .ويدل للمعنى الأول قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ 40} ،وقوله:{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ 23} كما تقدم إيضاحه في هذه السورة الكريمة .
وقوله:{وَيَأْتِينَا فَرْداً 80} أي منفرداً لا مال له ولا ولد ولا خدم ولا غير ذلك ،كما قال تعالى:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الآية ،وقال تعالى:{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً 95} كما تقدم إيضاحه .
فإن قيل: كيف عبر جل وعلا في هذه الآية الكريمة بحرف التنفيس الدال على الاستقبال في قوله{لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ} مع أن ما يقوله الكافر يكتب بلا تأخير .بدليل قوله تعالى:{مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ؟
فالجواب أن الزمخشري في كشافه تعرض للجواب عن هذا السؤال بما فصه: قلت فيه وجهان: أحدهما: سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله ،على طريقة قول زائد بن صعصعة الفقعسي:
إذ ما انتسبنا لم تلدني لئيمة *** ولم تجدي من أن تقري بها بدا
أي تبين وعلم بالانتساب أني لست بابن لئيمة .والثانيأن المتوعّد يقول للجاني: سوف أنتقم منك .يعني أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر ،فجردها هنا لمعنى الوعيد ا ه منه بلفظه .إلا أنا زدنا اسم قائل البيت وتكلمته .
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه يكتب ما يقول هذا الكافر ذكر نحوه في مواضع متعددة من كتابه ،كقوله تعالى:{قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ 21} ،وقوله تعالى:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ 80} ،وقوله تعالى:{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّ كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 29} ،وقوله تعالى:{سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْألُونَ 19} .وقوله تعالى:{سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ 181} ،وقوله تعالى:{كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ 9 وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ 10 كِرَاماً كَاتِبِين 11 َيَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ 12} وقوله تعالى:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنَا مَا لهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} وقوله تعالى:{وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُوراً 13 اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا 14}: إلى غير ذلك من الآيات .