قوله تعالى:{وداود وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ في الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ 78} .
قوله تعالى:{وَدَاوُدَ} منصوب ب «اذكر » مقدراً .وقيل: معطوف قوله:{وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ} أي واذكر نوحاً إذا نادى من قبل{وداود وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ في الْحَرْثِ} الآية ،وقوله:{إِذْ} بدل من «دَاوُدَ وَسُلَيْمَان » بدل اشتمال كما أوضحنا في سورة «مريم » وذكرنا بعض المناقشة فيه ،وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ويكون في نفس الآية قرينة تدل على خلاف ذلك القول .وذكرنا في هذا الكتاب مسائل كثيرة من ذلك .فإذا علمت ذلك فاعلم أن جماعة من العلماء قالوا: إن حكم داود وسليمان في الحرث المذكور في هذه الآية كان بوحي: إلا أن ما أوحى إلى سليمان كان ناسخاً لما أوحى إلى داود .
وفي الآية قرينتان على أن حكمهما كان باجتهاد لا بوحي ،وأن سليمان أصاب فاستحق الثناء باجتهاده ،وإصابته ،وأن داود لم يصب فاستحق الثناء باجتهاده ،ولم يستوجب لوماً ولا ذماً بعدم إصابته ؛كما أثنى على سليمان بالإصابة في قوله:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ،وأثنى عليهما في قوله:{وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} فدل قوله{وَكُلاًّ آتَيْنَا} على أنهما حكماً فيها معاً ،كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر ،ولو كان وحياً لما ساغ الخلاف .