{ بلى} إبطال لدعواهما .و ( بلي ) كلمة يجاب بها المنفي لإثبات نقيض النفي وهو الإثبات سواء وقعت بعد استفهام عن نفي وهو الغالب أو بعد خبر منفي نحو{ أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى}[ القيامة: 3 ،4] ،وقول أبي حية النميري:
يخبرك الواشون أن لن أحبكم *** بلى وستور الله ذات المحارم
وقوله:{ من أسلم} جملة مستأنفة عن ( بلى ) لجواب سؤال من يتطلب كيف نقض نفي دخول الجنة عن غير هذين الفريقين أريد بها بيان أن الجنة ليست حكرة لأحد ولكن إنما يستحقها من أسلم إلخ لأن قوله:{ فله أجره} هو في معنى له دخول الجنة وهو جواب الشرط لأن ( من ) شرطية لا محالة .ومن قدر هنا فعلاً بعد{ بلى} أي يدخلها من أسلم فإنما أراد تقدير معنى لا تقدير إعراب إذ لا حاجة للتقدير هنا .
وإسلام الوجه لله هو تسليم الذات لأوامر الله تعالى أي شدة الامتثال لأن أسلم بمعنى ألقى السلاح وترك المقاومة قال تعالى:{ فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني}[ آل عمران: 20] .والوجه هنا الذات عبر عن الذات بالوجه لأنه البعض الأشرف من الذات كما قال الشنفرى:
*إذا قطعوا رأسي وفي الرأس أكثري{[157]} *
ومن إطلاق الوجه على الذات قوله تعالى:{ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}[ الرحمن: 27] .وأطلق الوجه على الحقيقة تقول جاء بالأمر على وجهه أي على حقيقته قال الأعشى:
وأول الحكم على وجهه *** ليس قضاء بالهوى الجائر
ووجوه الناس أشرافهم ويجوز أن يكون{ أسلم} بمعنى أخلص مشتقاً من السلامة أي جعله سالماً ومنه{ ورجلاً سلماً لرجل}[ الزمر: 29] .
وقوله:{ وهو محسن} جيء به جملة حالية لإظهار أنه لا يغني إسلام القلب وحده ولا العمل بدون إخلاص بل لا نجاة إلا بهما ورحمة الله فوق ذلك إذ لا يخلو امرؤ عن تقصير .
وجمع الضمير في قوله:{ ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} اعتباراً بعموم ( من ) كما أفرد الضمير في قوله:{ وجهه لله وهو محسن} اعتباراً بإفراد اللفظ وهذا من تفنن العربية لدفع سآمة التكرار .