هذا كالتكملة لقوله:{ وأرسلناك للناس رسولاً}[ النساء: 79] باعتبار ما تضمّنه من ردّ اعتقادهم أنّ الرسول مصدرُ السيّئات التي تصيبهم ،ثم من قوله:{ ما أصابك من حَسَنَةٍ فمِنَ الله}[ النساء: 79] الخ ،المؤذن بأنّ بين الخالق وبين المخلوق فَرْقا في التأثير وأنّ الرسالة معنَّى آخر فاحترَس بقوله:{ من يطع الرسول فقد أطاع الله} عن توهّم السامعين التفرقة بين الله ورسوله في أمور التشريع ،فأثبت أنّ الرسول في تبليغه إنّما يبلّغ عن الله ،فأمره أمرُ الله ،ونهيُه نهيُ الله ،وطاعتُه طاعةُ الله ،وقد دلّ على ذلك كلّه قولُه:{ من يطع الرسول فقد أطاع الله} لاشتمالها على إثبات كونه رسولاً واستلزامها أنّه يأمر وينهى ،وأنّ ذلك تبليغ لمراد الله تعالى ،فمن كان على بيّنة من ذلك أو كان في غفلة فقد بيّن الله له اختلاف مقامات الرسول ،ومن تولّى أو أعرض واستمرّ على المكابرة{ فما أرسلناك عليهم حفيظاً} ،أي حارساً لهم ومسؤولاً عن إعراضهم ،وهذا تعريض بهم وتهديد لهم بأنْ صَرَفه عن الاشتغال بهم ،فيعلم أنّ الله سيتولّى عقابهم .
والتولّي حقيقته الانصراف والإدبار ،وقد تقدّم في قوله تعالى:{ وإذا تَولَّى سعى في الأرض ليفسد فيها}[ البقرة: 205] وفي قوله:{ مَا ولاَهُم عن قبلتهم} في سورة البقرة ( 142 ) .واستعمل هنا مجازاً في العصيان وعدم الإصغاء إلى الدعوة .