بَيَّن أنّهم لضعف نفوسهم لا يُعرضون جهراً بل يظهرون الطاعة ،فإذا أمرهم الرسول أو نهاهم يقولون له{ طاعة} أي: أمْرُنا طاعةٌ ،وهي كلمة يدُلّون بها على الامتثال ،وربما يقال: سَمْعٌ وطاعة ،وهو مصدر مرفوع على أنّه خبر لمبتدإ محذوف ،أي أمرنا أو شأننا طاعة ،كما في قوله:{ فصبرٌ جميل}[ يوسف: 18] .وليس هو نائباً عن المفعول المطلق ألآتي بدَلاً من الفعل الذي يُعَدل عن نصبه إلى الرفع للدلالة على الثبات مثل « قال سلام » ،إذ ليس المقصود هنا إحداثَ الطاعة وإنّما المقصود أنّنا سنُطيع ولا يكون منّا عصيان .
ومعنى{ برزوا} خرجوا ،وأصل معنى البروز الظهور ،وشاع إطلاقه على الخروج مجازاً مرسلاً .
و{ بيَّتَ} هنا بمعنى قدّر أمراً في السرّ وأضمره ،لأنّ أصل البيات هو فعل شيء في الليل ،والعرب تستعير ذلك إلى معنى الإسرار ،لأنّ الليل أكتم للسرّ ،ولذلك يقولون: هذا أمر قْضي بليل ،أي لم يطّلع عليه أحد ،وقال الحارث بن حلّزة:
أجمعوا أمرهم بليل فلمّا *** أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
وقال أبو سفيان: هذا أمر قضى بليل .وقال تعالى:{ لنُبيِّتَنَّه وأهله}[ النمل: 49] أي: لنقتلنّهم ليلاً .وقال:{ وهو معهم إذ يّبيتون ما لا يَرضى من القول}[ النساء: 108] .وتاء المضارعة في{ غير الذي تقول} للمؤنث الغائب ،وهو الطائفة ويجوز أن يراد خطاب النبي صلى الله عليه وسلم أي غير الذي تقول لهم أنت ،فيجيبون عنه بقولهم: طاعة .ومعنى{ والله يكتب ما يبيّتون} التهديد بإعلامهم أنّه لن يفلتهم من عقابه ،فلا يغرنّهم تأخّر العذاب مدّة .وقد دلّ بصيغة المضارع في قوله:{ يكتب} على تجدّد ذلك ،وأنّه لا يضاع منه شيء .
وقوله:{ فأعرض عنهم} أمر بعدم الاكتراث بهم ،وأنّهم لا يُخشى خلافهم ،وأنّه يتوكلّ على الله{ وكفى بالله وكيلاً} أي مُتوكَّلاً عليه ،ولا يَتوكّل على طاعة هؤلاء ولا يحزنه خلافهم .
وقرأ الجمهور{ بيَّتَ طَائفة} بإظهار تاء ( بيَّتَ ) من طاء ( طائفة ) .وقرأه أبو عمرو ،وحمزة ،ويعقوب ،وخلف بإدغام التاء في الطاء تخفيفاً لقرب مخرجيهما .