جملة{ فأخذتهم الرجفة} معترضة بين جملة{ فعقروا الناقة} وبين جملة{ فتولى عنهم}[ الأعراف: 79] أريد باعتراضها التّعجيلُ بالخبر عن نفاذ الوعيد فيهم بعَقب عتوّهم ،فالتّعقيب عرفي ،أي لم يكن بين العقر وبين الرجفة زمن طويل ،كان بينهما ثلاثة أيّام ،كما ورد في آية سورة هود ( 65 ):{ فعقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب} وأصل الأخذ تناول شيءٍ باليد ،ويستعمل مجازاً في مِلك الشيء ،بعلاقة اللّزوم ،ويستعمل أيضاً في القهر كقوله:{ فأخذهم الله بذنوبهم}[ الأنفال: 52] ،{ فأخذهم أخذة رابية}[ الحاقة: 10] وأخذ الرّجفة: إهلاكُها إياهم وإحاطتها بهم إحاطة الآخِذ .ولا شكّ أنّ الله نجّى صالحاً عليه السّلام والذين آمنوا معه ،كما في آية سورة هود .وقد روي أنّه خرج في مائة وعشرة من المؤمنين ،فقيل: نزلوا رملة فلسطين ،وقيل: تباعدوا عن ديار قومهم بحيث يرونها ،فلمّا أخذتهم الرّجفة وهلكوا عاد صالح عليه السّلام ومن آمنَ معه فسكنوا ديارهم ،وقيل: سكنوا مكّة وأنّ صالحاً عليه السّلام دفن بها ،وهذا بعيد كما قلناه في عاد ،ومن أهل الأنساب من يقول: إنّ ثقيفاً من بقايا ثمود ،أي من ذرّية مَن نجا منهم من العذاب ،ولم يذكر القرآن أنّ ثموداً انقطع دابرهم فيجوز أن تكون منهم بقية .
والرّجفة: اضطراب الأرض وارتجاجها ،فتكون من حوادث سماوية كالرّياح العاصفة والصّواعق ،وتكون من أسباب أرضيّة كالزلازل ،فالرّجفة اسم للحالة الحاصلة ،وقد سمّاها في سورة هود بالصّيْحة فعلمنا أنّ الذي أصاب ثمود هو صاعقة أو صواعق متوالية رجفت أرضَهم وأهلكتهم صَعِقين ،ويحتمل أن تقارنها زلازل أرضية .
والدّار: المكان الذي يحتلّه القوم ،وهو يفرد ويجمع باعتبارين ،فلذلك قال في آية سورة هود:{ فأصبحوا في ديارهم جاثمين} .{ فأصبحوا} هنا بمعنى صاروا .
والجاثم: المُكِب على صدره في الأرض مع قبض ساقيه كما يجثو الأرْنب ،ولمّا كان ذلك أشدّ سكوناً وانقطاعاً عن اضطراب الأعضاء استعمل في الآية كناية عن همود الجثّة بالموت ،ويجوز أن يكون المراد تشبيه حالة وقوعهم على وجوههم حين صعِقوا بحالة الجاثم تفظيعاً لهيئة مِيتتهم ،والمعنى أنّهم أصبحوا جثثا هامدة ميّتة على أبشع منظر لِمَيِّت .