{ الطائفة} الجماعة ذاتُ العدد الكثير وتقدّمت عند قوله تعالى:{ فلتقُم طائفة منهم معك} في سورة النّساء ( 102 ) .
والشّرط في قوله:{ وإن كان طائفة} أفاد تعليق حصول مضمون الجزاء في المستقبل ،أعني ما تضمّنه الوعيد للكافرين به والوعدُ للمؤمنين ،على تحقّق حصول مضمون فعل الشّرط ،لا على ترقّب حصول مضمونه ،لأنّه معلوم الحصول ،فالماضي الواقع فعلاً للشّرط هنا ماض حقيقي وليس مؤولاً بالمستقبل ،كما هو الغالب في وقوع الماضي في سياق الشّرط بقرينة كونه معلوم الحصول ،وبقرينة النّفي بلم المعطوف على الشّرط فإنّ ( لَمْ ) صَريحة في المضيّ ،وهذا مثل قوله تعالى:{ إنْ كنتُ قلتُه فقد علمتَهُ}[ المائدة: 116] بقرينة .( قد ) إذ الماضي المدخول لقد لا يقلب إلى معنى المستقبل .فالمعنى: إن تبيَّن أن طائفة آمنوا وطائفة كفروا فسيحكم الله بيننا فاصبروا حتّى يحكم ويَؤول المعنى: إن اختلفتم في تصديقي فسيظهر الحكم بأنّي صادق .
وليست ( إنْ ) بمفيدة الشكّ في وقوع الشّرط كما هو الشان ،بل اجْتلبت هنا لأنّها أصل أدوات الشّرط ،وإنَّما يفيد معنى الشكّ أو ما يَقرب منه إذا وقع العدول عن اجتلاب ( إذَا ) حين يصحّ اجتلابها ،فأمّا إذا لم يصحّ اجتلاب ( إذا ) فلا تدلّ ( إنْ ) على شكّ وكيفَ تفيد الشكّ مع تحقّق المضي ،ونظيره قول النّابغة:
لَئِنْ كنتَ قد بُلِّغْتَ عنّي وشَايَةً *** لَمُبْلغكَ الواشي أغَشّ وأكذب
والصّبر: حبس النّفس في حال التّرقب ،سواء كان ترقب محبوب أم ترقب مكروه ،وأشهر استعماله أن يطلق على حبس النّفس في حال فقدان الأمر المحبوب ،وقد جاء في هذه الآية مستعملاً في القدْر المشترك لأنّه خوطب به الفريقان: المؤمنون والكافرون ،وصبر كلّ بما يناسبه ،ولعلّه رجح فيه حال المؤمنين ،ففيه إيذان بأنّ الحكم المترقّب هو في منفعة المؤمنين ،وقد قال بعض المفسّرين: إنّه خطاب للمؤمنين خاصة .
و{ حتّى} تفيد غاية للصّبر ،وهي مؤذنة بأن التّقدير: وإن كان طائفة منكم آمنوا وطائفة لم يؤمنوا فسيحكم الله بيْننا فاصبروا حتّى يحكم .
وحكم الله أريد به حكم في الدّنيا بإظهار أثر غضبه على أحد الفريقين ورضاه على الذين خالفوهم ،فيظهر المحقّ من المبطل ،وهذا صدر عن ثقة شّعيب عليه السّلام بأنّ الله سيحكم بينه وبين قومه استناداً لوعد الله إياه بالنَّصْر على قومه ،أو لعلمه بسنّة الله في رسله ومَن كذّبهم بإخبار الله تعالى إياه بذلك ،ولولا ذلك لجاز أن يتأخر الحكم بين الفريقين إلى يوم الحساب ،وليس هو المراد من كلامه لأنّه لا يناسب قوله:{ فاصبروا} إذا كان خطاباً للفريقين ،فإن كان خطابا للمؤمنين خاصة صحّ إرادة الحُكمين جميعاً .
وأدْخَل نفسه في المحكوم بينهم بضمير المشاركة لأنّ الحكم المتعلّق بالفريق الذين آمنوا به يعتبر شاملاً له لأنّه مؤمن برسالة نفسه .
وجملة:{ وهو خير الحاكمين} تذييل بالثّناء على الله بأنّ حكمه عَدْل محض لا يحتمل الظلم عَمداً ولا خطأ ،وغيره من الحاكمين يقع منه أحد الأمرين أو كلاهما .
و{ خير}: اسم تفضيل أصله أخْيَر فخفّفوه لكثرة الاستعمال .