جملة:{ الذين كذبوا شعيباً} مستأنفة ابتدائية ،والتعريف بالموصولية للإيماء إلى وجه بناء الخبر ،وهو أن اضمحلالهم وانقطاع دابرهم كان جزاء لهم على تكذيبهم شعيباً .
ومعنى:{ كأن لم يَغنَوا فيها} تشبيه حالة استيصالهم وعفاء آثارهم بحال من لم تسبق لهم حياة ،يقال: غَنَى بالمكان كرَضي أقام ،ولذلك سمي مكان القوم مغنى .
قال ابن عطية: « الذي استقريتُ من أشعار العرب أن غَنى معناه: أقام إقامة مقترنة بتنعم عيش ويشبه أن تكون مأخوذة من الاستغناء » أي كأن لم تكن لهم إقامة ،وهذا إنما يُعنى به انمحاء آثارهم كما قال:{ فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس}[ يونس: 24] ،وهو يرجح أن يكون أصابهم زلزال مع الصواعق بحيث احترقت أجسادهم وخُسف لهم في الأرض وانقلبت ديارهم في باطن الأرض ولم يبق شيء أو بقي شيء قليل .فهذا هو وجه التشبيه ،وليس وجه التشبيه حالة موتهم لأن ذلك حاصل في كل ميت ولا يختص بأمثال مدين ،وهذا مثل قوله تعالى:{ فهل ترى لهم من باقية}[ الحاقة: 8] .
وتقديم المسند إليه في قوله:{ الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين} إذا اعتُبرت{ كانوا} فعلاً ،واعتبر المسند فعلياً فهو تقديم لإفادة تقوي الحكم ،وإن اعتبرت ( كان ) بمنزلة الرابطة ،وهو الظاهر ،فالتقوي حاصل من معنى الثبوت الذي تفيده الجملة الاسمية .
والتكرير لقوله:{ الذين كذبوا شعيباً} للتعديد وإيقاظ السامعين ،وهم مشركو العرب ،ليتقوا عاقبة أمثالهم في الشرك والتكذيب على طريقة التعريض ،كما وقع التصريح بذلك في قوله تعالى:{ وللكافرين أمثالها}[ محمد: 10] .
وضمير الفصل في قوله:{ كانوا هم الخاسرين} يفيد القصر وهو قصر إضافي ،أي دون الذين اتبعوا شعيباً ،وذلك لإظهار سَفه قول الملإ للعامة{ لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذن لخاسرون} توقيفاً للمعتبرين بهم على تهافت أقوالهم وسفاهة رأيهم ،وتحذيراً لأمثالهم من الوقوع في ذلك الضلال .