إن لفظ «اليد » جاء في القرآن على ثلاثة أنواع:مفردا ، ومثنى ، ومجموعا:
فالمفرد:كقوله:{ بيده الملك} [ الملك:1] . والمثنى:كقوله:{ خلقت بيدي} والمجموع:كقوله:{ عملت أيدينا} [ يس:71] .
فحيث ذكر اليد مثناة . أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد ، وعدى الفعل بالباء إليهما ، وقال:{ خلقت بيدي} . وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها ، ولم يعد الفعل بالباء .
فهذه ثلاثة فروق:فلا يحتمل{ خلقت بيدي} من المجاز ما يحتمله:{ عملت أيدينا} [ يس:71] فإن كل أحد يفهم من قوله{ عملت أيدينا} ما يفهمه من قوله:عملنا وخلقنا ، كما يفهم ذلك من قوله:{ فبما كسبت أيديكم} [ الشورى:30] .
وأما قوله{ خلقت بيدي} فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى ، فكيف وقد دخلت عليها الباء ؟ فكيف إذا ثنيت ؟
وسر الفرق:أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد ، والمراد الإضافة إليه كقوله:{ بما قدمت يداك} [ الحج:10] ،{ فبما كسبت أيديكم} [ الشورى:30] وأما إذا أضيف إليه الفعل ، ثم عدي بالباء إلى يده مفردة أو مثناة ، فهو مما باشرته يده ، ولهذا قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه:«إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا:خلق آدم بيده ، وغرس جنة الفردوس بيده ، وكتب التوراة بيده » ، فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك ، ولا كانت لآدم رضي الله عنه فضيلة بذلك على شيء مما خلق بالقدرة .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن «أهل الموقف يأتونه يوم القيامة ، فيقولون:يا آدم ، أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده » وكذلك قال آدم لموسى – عليهما السلام - في محاجته له:«اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك الألواح بيده » وفي لفظ آخر:«كتب لك التوراة بيده » وهو من أصح الأحاديث .
وكذلك الحديث المشهور:«أن الملائكة قالوا:يا رب خلقت بني آدم يأكلون ويشربون ، وينكحون ، ويركبون ، فاجعل لهم الدنيا ولنا الأخرى ، فقال الله تعالى:لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ونفخت فيه من روحي ، كمن قلت له:كن فكان » .
وهذا التخصيص إنما فهم من قوله:{ خلقت بيدي} فلو كان مثل قوله:{ ما عملت أيدينا} لكان هو والأنعام في ذلك سواء . فلما فهم المسلمون أن قوله:{ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ ص:75] يوجب له تخصيصا وتفضيلا بكونه مخلوقا باليدين على من أمر أن يسجد له ، وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه:كانت التسوية بينه وبين قوله:{ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما} [ يس:71]
خطأ محضا .