/م104
{ وأَنْ أَقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} أي أمرت بأن أكون من المؤمنين ، وبأن أقيم وجهي للدين القيم الذي لا عوج فيه حالة كوني حنيفا ، أي مائلا عن غيره من الشرك والباطل ، ولكن اختير هنا صيغة الطلب وفيما قبله الخبر ، ذلك بأن الخبر هو المناسب لعلاقة هذا الأمر بالماضي ، وهو أن يكون من جماعة المؤمنين الموعودين بما تقدم من سنة الله في النبيين ، والطلب هو المناسب لعلاقته هو ، وما عطف عليه من النهي بالحال والاستقبال ، من دعوة هذا الدين الموجهة إلى أهل مكة وسائر الناس ،"ولا فرق بينهما في الإعراب "كما حققه سيبويه وغيره ، وإقامة الوجه للدين هنا وفي سورة الروم ( 30:43 ) عبارة عن التوجه فيه إلى الله تعالى وحده في الدعاء وغيره ، بدون التفات إلى غيره ، والمراد به توجه القلب ، وفي معناه{ إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا} [ الأنعام:79] ، ومثله إسلام الوجه لله في سورة البقرة ( 2:112 ) وآل عمران ( 3:20 ) والنساء ( 4:124 ) ، وإسلامه إلى الله في سورة لقمان ( 31:22 ) ، وكذا توجيه الوجه الحسي إلى القبلة في آياتها ، وهو الأصل في اللغة ، والمراد به وجهة الإنسان ، فمن توجه إلى قلبه في عبادة من العبادات"ولاسيما مخ العبادة وروحها وهو الدعاء "إلى غير الله فهو عابد له مشرك بالله ، وأكده بالنهي عن ضده معطوفا عليه فقال:
{ ولاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وبين الله تعالى حجابا من الوسطاء والأولياء والشفعاء يوجهون قلوبهم إليهم عند الشدة تصيبهم ، والحاجة التي تستعصي على كسبهم ، ووجوههم وجملتهم إلى صورهم وتماثيلهم في هياكلهم ، أو قبورهم في معابدهم ، ويدعونهم لقضاء حوائجهم إما بأنفسهم وإما بشفاعتهم ووساطتهم عند ربهم ، ثم بين هذا بالإشارة إلى سببه عند المشركين ، والنهي عن مثله ومعطوفا عليه فقال: