/م104
{ ولاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ ولاَ يَضُرُّكَ} أي ولا تدع غيره تعالى ( دعاء عبادة- وهو ما فيه معنى القربة والجري على غير المعتاد في طلب الناس بعضهم من بعض ، لا على سبيل الاستقلال ، ولا على سبيل الاشتراك بوساطة الشفعاء - ما لا ينفعك إن دعوته- لا بنفسه ، ولا بوساطته- ولا يضرك إن تركت دعاءه ولا إن دعوت غيره .
{ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} أي فإن فعلت هذا بأن دعوت غيره فإنك أيها الفاعل في هذه الحال من طغامة الظالمين لأنفسهم الظلم الأكبر ، وهو الشرك الذي فسر به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{ إن الشرك لظلم عظيم} [ لقمان:13] ، فإنه لما كان دعاء الله وحده هو أعظم العبادة ومخهاكما ورد في الحديثكان دعاء غيره هو معظم الشرك ومخه ، كما كررنا التصريح به بتكرار تفسير الآيات الناهية عنه ، ومنها في هذه السورة قوله تعالى:{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ولاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} [ يونس:18] وقوله:{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} [ يونس:49] وقوله قبلهما{ وإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا} [ يونس:12] وقوله في أهل الفلك ( السفينة ) المشركين عند إحاطة الخطر بهم{ دعوا الله مخلصين له الدين} [ يونس:22] .
والآيات في هذا المعنى كثيرة متفرقة في السور ، كررت لأجل انتزاع هذا الشرك الأكبر من قلوب الجمهور الأكبر ، وقد انتزع من قلوب الذين أخذوا دينهم من القرآن ، وكان جل عبادتهم تكرار تلاوته بالغدو والآصال ، والليل والنهار ، ثم عاد بقضه وقضيضه إلى الذين هجروا تدبر القرآن وهم يدعون الإسلام ، وأكثرهم يتلقون عقائدهم من الآباء والأمهات والمعاشرين ، وأكثر هؤلاء من الخرافيين الأميين الجاهلين ، وأكثر القارئين منهم على قلتهم يأخذونها من كتب مقلدة متأخري المتكلمين الجدلية والمتصوفة الخرافية ، ولا يكاد مسجد من مساجد يخلو من قبر مشرف مشيد ، توقد عليه السرج والمصابيح ، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم فاعليها ، ويتوجه إليه الرجال والنساء ، ويتقربون إليهم بالهدايا والنذور من الأميين ، وبعرائض الاستغاثة والدعاء من المتعلمين ، ليكشفوا عنهم الضر ، ويهبوا لهم ما يرجون من النفع ، ومن أمامهم وورائهم عمائم مكورة ، ولحي طويلة أو مقصرة ، يسمون شركهم الأكبر توسلا ، واستغاثتهم استشفاعا ، ونذورهم لغير الله صدقات مشروعة ، وطوافهم بالقبور المعبودة زيارات مقبولة ، ويتأولون هذه الآيات الكثيرة بل يحرفونها عن مواضعها ، بزعمهم أنها خاصة بعبادة الأصنام ، والنذور للأوثان ، والتعظيم للصلبان ، كأن الإشراك بالله جائز من بعض الناس ببعض المخلوقات دون بعض .
ومن البلاء الأكبر على الإسلام والمسلمين بمصر أن أصدرت لهم مشيخة الأزهر الرسمية في هذا العصر مجلة رسمية دينية ، تفتيهم بشرعية كل هذه البدع الشركية القبورية ، سمتها نور الإسلام ، وألف لهم أحد خطباء الفتنة كتابا في هذا واطأه عليه وأمضاه له سبعون عالما من علماء الأزهر بزعمه ، بل طبع في طرته خواتم بعضهم ، وتواقيع آخرين منهم بخطوطهم ، وذكر جميع أسمائهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وبه وحده المستعان لإنقاذ الإسلام من هذا الطغيان .
ومنهم من يحتج على نفع هذا الدعاء لغير الله بالتجارب ، كما يحتج الهنود الوثنيون والنصارى ، فهو مشترك الإلزام ، وقد أبطله الله بقوله:{ وإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُو}