/م104
{ وإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُو} هذه الآية مؤكدة لما قبلها ، داحضة لشبهة الذين يدعون غير الله بأنهم طالما استفادوا من دعائهم والاستغاثة بهم فشفيت أمراضهم ، وكبتت أعداؤكم ، وكشف الضر عنهم ، وأسدي الخير إليهم ، يقول تعالى لكل مخاطب بهذه الدعوة إلى توحيد الإسلام ، بكلام الله و تبليغ محمد عليه أفضل الصلاة والسلام:وإن يمسسك الله أيها الإنسان بضر كمرض يصيبك بمخالفة سننه في حفظ الصحة ، أو ظلم يقع عليك من الحكام المستبدين ، أو غيرهم من الأعداء المعتدين ، فلا كاشف له إلا هو ، وقد جعل لكل شيء سببا يعرفه خلقه بتجاربهم ، ككشف الأمراض بمعرفة أسبابها ، وخواص العقاقير التي تداوى بها ، وتكل أعمالها إلى أربابها ، وتأتي سائر البيوت من أبوابها ، مع الإيمان والشكر لمسخرها ، فإن جهلت الأسباب أو أعياك أمرها فتوجه إلى الله وحده ، وادعه مخلصا له الدين متوكلا عليه وحده ، يسخر لك ما شاء أو من شاء من خلقه ، أو يشفك من مرضك بمحض فضله ، كما ضربت لك الأمثال في هذه السورة وغيرها من كتابة .
{ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْر} يهبه بتسخير أسبابه لك ، وبغير سبب ولا سعي منك ،{ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} أي فلا أحد ولا شيء يرد فضله الذي تتعلق به إرادته ، فما شاء كان حتما ، فلا ترج الخير والنفع إلا من فضله ، ولا تخف رد ما يريده لك من أحد غيره .
{ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} يصيب بالخير من يشاء من عباده بكسب وبغير كسب ، وبسبب مما قدره في السنن العامة وبغير سبب ، ففضله تعالى على عباده عام بعموم رحمته ، بخلاف الضر ؛ فإنه لا يقع بسبب من الأسباب الخاصة بكسب العبد ، أو العامة في نظام الخلق ، فالأول معلوم كالأمراض التي تعرض بترك أسباب الصحة والوقاية جهلا أو تقصيرا ، وفساد العمران وسقوط الدول الذي يقع بترك العدل ، وكثرة الفسق والظلم ، والثاني كالضرر الذي يعرض من كثرة الأمطار ، وطغيان البحار والأنهار ، وزلازل الأرض وصواعق السماء .
{ وَهُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ولولا مغفرته الواسعة لأهلك جميع الناس بذنوبهم في الدنيا قبل الآخرة{ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [ الشورى:30]{ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} [ فاطر:45] .