/م83
{ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} المتبادر إلي فهمي أن عطف هذه الجملة على ما قبلها بالفاء لإفادة السببية أو التفريع ، أي إن إصرار فرعون وقومه على الكفر بموسى بعد خيبة السحرة وظهور حقه على باطلهم ، ثم عزمه على قتله كما أنبأ الله تعالى بقوله:{ وقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ولْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [ غافر:26] يعني بالفساد الثورة والخروج على السلطان ، كما قتل من آمن به من السحرة .كل هذا أوقع الخوف والرعب في قلوب بني إسرائيل قوم موسى فما آمن له إلا ذرية من قومه وهم الأحداث من المراهقين والشبان ، وقيل:قوم فرعون ، ولكن من آمن به منهم كان يكتم إيمانه ، ولا يقال آمن له إلا من اتبعه مؤمنا ، ولم يكونوا صغارا .والذرية في اللغة الصغار من الأولاد ، قال الراغب وإن كان يقع على الصغار والكبار معا في التعارف ، ويستعمل للواحد والجمع ، وأصله الجمع .
{ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ} أي آمنوا على خوف من فرعون وملئهم- أي أشراف قومهم الجبناء المرائين الذي هم عرفاؤهم عند فرعون- فيما يطلب هو منهم ، فإن الملوك يستذلون الشعوب ويستعبدونهم برؤساء وعرفاء منهم ، وقيل:ملأ فرعون ، وجمع ضميره للتعظيم ، على خوف منه أن يفتنهم عن الإيمان لموسى ، واتباع دينه ، بالتعذيب والإرهاق .الفتون الابتلاء والاختبار الشديد للحمل على الشيء أو على تركه ، واستعمل في الاضطهاد والتعذيب للارتداد عن الدين بكثرة كما تقدم في تفسير{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} [ البقرة:193] .
{ وإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ} أي والحال أن فرعون عات شديد العتو مستبد غالب قوي القهر في أرض مصر ، فهو جدير بأن يخاف منه .فالمراد بعلوه قهره واستبداده كما حكى الله عنه بقوله:{ وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ ويَذَرَكَ وآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [ الأعراف:127] .
{ وإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} أي المتجاوزين حدود الرحمة والعدل ، إلى الظلم والقتل ، والعدوان والبغي ، وغمط الحق واحتقار الخلق ( وهو معنى الكبرياء ) .