( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) أي بالأمر الثابت الحق الذي لا مجال فيه للشكوك والشبهات ، ولا للاحتمالات والتأويلات ، فلا عذر لأمتك إذا اتبعت سنن من قبلها فتفرقت في الدين وذهبت فيه مذاهب وصارت شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ، وبخلاف الآخرين مستمسكون ، فما أمروا في هذه الآيات بما أمروا به من الاعتصام ووعدوا عليه بالفلاح العظيم ، ولا نهوا عما نهوا عنه من التفرق والاختلاف وأوعدوا عليه بالعذاب الأليم ؛ إلا ليكونوا أمة واحدة متحدة في الدين متفقة في المقاصد يعذر بعضهم بعضا إذا فهم غير ما فهم مع المحافظة على ما لا تختلف فيه الأفهام ، كوجوب الاتحاد والاعتصام ، وتوحيد الله وتقواه ؛ واجتناب الفواحش والمنكرات .
( وما الله يريد ظلما للعالمين ) فيما يأمرهم به وينهاهم عنه ، وإنما يريد به هدايتهم إلى ما تكمل به فطرتهم ويتم به نظام اجتماعهم ، فإذ هم فسقوا عن أمره وحل بهم البلاء فإنما يكونون هم الظالمين لأنفسهم بتفرقهم واختلافهم ، وكذا بغير ذلك من الذنوب الاجتماعية .فالكلام في الأمم وعقوبتها ولا يمكن أن يحل بها بلاء إلا بذنب فشا فيها فزحزحها عن صراط الله لذي بينه في هذه الآيات وغيرها ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود:102] .