/م105
{ واستغفر الله} قال ابن جرير: "وسله أن يصفح لك عن عقوبة ذنبك في مخاصمتك عن الخائن "وأورد الرازي في الاستغفار ثلاثة وجوه:
1لعله مال إلى نصرة طعمة لأنه في الظاهر من المسلمين .
2لعله هم أن يحكم على اليهودي عملا بشهادة قوم طعمة التي لم يكذبها شيء حتى نزل الوحي ، فعلم أنه لو حكم لوقع قضاؤه خطأ لبنائه على كذب القوم وزوّرهم وكل من هذين الأمرين مما يستغفر منه النبي صلى الله عليه وسلم والذنب فيه من قبيل قولهم:حسنات الأبرار سيئات المقربين .
3يحتمل أن المراد واستغفر الله لأولئك الذين يذبون عن طعمة ويريدون أن يظهروا براءته . اه ملخصا .
وقال الأستاذ الإمام:واستغفر الله مما يعرض لك من شؤون البشر من نحو ميل إلى من تراه ألحن بحجته .أو الركون إلى مسلم لأجل إسلامه تحسينا للظن به ، فإن ذلك قد يوقع الاشتباه ، وتكون صورة صاحبه صورة من أتى الذنب الذي يوجب له الاستغفار ، وإن لم يكن متعمدا للزيغ عن العدل ، والتحيز إلى الخصم ، فهذا من زيادة الحرص على الحق ، كأن مجرد الالتفات إلى قول المخادع كاف في وجوب الاحتراس منه ، وناهيك بما في ذلك من التشديد فيه .
أقول:ظاهر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم مال إلى تصديق المسلمين وإدانة اليهودي لما كان يغلب على المسلمين في ذلك العهد من الصدق والأمانة ، وعلى اليهود من الكذب والخيانة ، ولذلك قال العلماء في القديم والحديث إن أولئك المسلمين ، لم يكونوا إلا منافقين ، لأن مثل عمل طعمة وتأييد من أيده فيه لا يصدر عمدا إلا من منافق ، وتبع ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ود لو يكون الفلج بالحق في الخصومة للمسلمين الذين يرجح صدقهم فأراد أن يساعدهم على ذلك ولكنه لم يفعل انتظارا لوحي الله تعالى ، فعلمه الله تعالى بهذه الآيات وعلمنا أن الاعتقاد الشخصي ، والميل الفطري والديني ، لا ينبغي أن يظهر لهما أثر ما في مجلس القضاء ، ولا أن يساعد القاضي من يظن أنه هو صاحب الحق ، بل عليه أن يساوي بين الخصمين في كل شيء ، وإذا كان هذا هو الواجب وكان ذلك الميل إلى تأييد من غلب على الظن صدقه يفضي إلى مساعدته في الخصومة فيكون الحاكم خصيما عنه لو فعل ، وإذا كان طلب الانتصار لهم من الخائنين في الواقع ونفس الأمر في هذه القضيةفقد وجب الاستغفار من هذا الاجتهاد وحسن الظنفهذا أحسن ما يوجه به ما ذهب إليه الرازي على تقدير صحة الرواية في سبب نزول الآيات .وما قاله الأستاذ الإمام أبلغ في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يليق به ، أما العصمة فلا ينقضها شيء مما ورد ولا الأمر بالاستغفار ، لأن الأنبياء معصومون من الحكم أو العمل بغير ما أوحاه الله تعالى إليهم أو ما يرون باجتهادهم أنه الصواب ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم في هذه القضية قبل نزول الآيات بشيء ، ولم يعمل بغير ما يعتقد أنه تأييد للحق ، ولكنه أحسن الظن في أمر بين له علام الغيوب حقيقة الواقع فيه وما ينبغي له في معاملة ذويه ،{ وكان الله غفورا رحيما} أي كان شأنه ذلك وتقدم شرح مثل هذه الجملة مرارا .