{ الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت} تقدم أن الطاغوت من المبالغة في الطغيان وهو مجاوزة حدود الحق والعدل والخير ، إلى الباطل والظلم والشر ، فلو ترك المؤمنون القتالوالكافرون لا يتركونهلغلب الطاغوت وعم ،{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} [ البقرة:251] فغلبت الوثنية المفسدة للعقول والأخلاق ، وعم الظلم بعموم الاستبداد:{ فقاتلوا أولياء الشيطان} فأنتم أيها المؤمنون أولياء الرحمن:{ إن كيد الشيطان كان ضعيفا} وإنه يزين لأصحابه الباطل والظلم والشر ، وإهلاك الحرث والنسل ، فيوهمهم بوسوسته أنها خير لهم ، وفيها عزهم وشرفهم ، وهذا هو الكيد والخداع .
ومن سنن الله في تعارض الحق والباطل ، أن الحق يعلو والباطل يسفل ، وفي مصارعة المصالح والمفاسد بقاء الأصلح ، ورجحان الأمثل ، فالذين يقاتلون في سبيل الله يطلبون شيئا ثابتا صالحا تقتضيه طبيعة العمران فسنن الوجود مؤيدة لهم ، والذين يقاتلون في سبيل الشيطان يطلبون الانتقام ، والاستعلاء في الأرض بغير حق ، وتسخير الناس لشهواتهم ولذاتهم وهي أمور تأباها فطرة البشر السليمة ، وسنن العمران القويمة ، فلا قوة ولا بقاء لها ، إلا بتركها وشأنها ، وإرخاء العنان لأهلها ، وإنما بقاء الباطل في نومة الحق عنه ، وثم معنى آخر .
قال الأستاذ الإمام:هذه الآية جواب عما عساه يطوف بخواطر أولئك الضعفاء ، وهو أننا لا نقاتل لأننا ضعفاء والأعداء أكثر منا عددا ، وأقوى منا عددا ، فدلهم الله تعالى على قوة المؤمنين التي لا تعادلها قوة ، وضعف الأعداء الذي لا يفيد معه كيد ولا حيلة ، وهو أن المؤمنين يقاتلون في سبيل الله وهو تأييد الحق الذي يوقن به صاحبه وصاحب اليقين والمقاصد الصحيحة الفاضلة تتوجه نفسه بكل قواها إلى إتمام الاستعداد ، ويكون أجدر بالصبر والثبات ، وفي ذلك من القوة ما ليس في كثرة العدد والعدد .
/خ76