/م106
{ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} أي حكم ما يقع بينكم من الشهادة أو كيفيته إذا نزلت بأحدكم أسباب الموت ومقدماته وأراد حينئذ أن يوصي هو أن يشهد اثنان الخ أو الشهادة المشروعة بينكم في ذلك هي شهادة اثنين من رجالكم ذوي العدل والاستقامة ، وذلك بأن يشهدهما الموصي على وصيته سواء ائتمنهما على ما يوصي به كما في واقعة سبب النزول أم لا ، ويترتب على إشهاده إياهما أن يشهدا بذلك ، ومن إيجاز الآية أن عبارتها تدل على الإشهاد والشهادة جميعا .والمراد بقوله «منكم » من المؤمنين وهو قول الجمهور ، وقيل من أقاربكم وروي عن الحسن والزهري وأخذ به كثير من الفقهاء .
{ أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فأصابتكم مصيبة الموت} أي أو شهادة شهيدين آخرين من غير المسلمين أو من الأجانب إن كنتم مسافرين ونزلت بكم مقدمات الموت وأردتم الإيصاء .وفي الكلام تأكيد شديد للوصية وللإشهاد عليها{ تحبسونهما من بعد الصلاة} استئناف بياني كأن السامع لما تقدم يقول وكيف يشهدان ؟ فأجيب بهذا الجواب أي تمسكون الشهيدين اللذين أشهدا على الوصية من بعد الصلاة .قال الأكثرون المراد صلاة العصر – لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلف عديا وتميما فيه ، ولأن العمل جرى عليه فكان التحليف فيه هو المعتاد المعروف ، ولأنه الوقت الذي يقعد فيه الحكام للقضاء والفصل في المظالم والدعاوى لاعتداله واجتماع الناس فيه إذ يكونون قد فرغوا من معظم أعمال النهار – أو لأن هذا الوقت وقت الصلاة عند غير المسلمين أيضا فهو وقت ذكر الله الذي يرجى فيه اتقاء الكذب والخيانة منهم أيضا – أو لأن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى ، أو لأنها تحضرها ملائكة الليل والنهار فيتحرى المؤمن أن يكون بعدها متصفا بالكمال .وقيل إن المراد جنس الصلاة المفروضة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر فيكون جديرا بالصدق من يكون قريب عهد بها ، وقال الحسن البصري المراد الظهر أو العصر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما ، وروي عن ابن عباس أن الشهيدين إذا كانا غير مسلمين فالمراد بالصلاة صلاة أهل دينهما ، أي لما ذكرنا من علة ذلك آنفا{ فيقسمان بالله إن ارتبتم} أي فيقسم الشاهدان على الوصية إن شككتم في صدقهما فيما يقران به ، أي وتستقسمونهما فيقسمان ، والأمين يصدق باليمين .وقال بعضهم:الفاء للجزاء أي تحبسونهما فيقدمان لأجل ذلك على القسم .قيل هذا خاص بالشهود من الكفار إذا اتهموا أي لأنه لم يشترط فيهم أن يكونوا عدولا .وقيل عام وقد نسخ ، والصواب أنه لا نسخ في الآيات .قال الرازي:وعن علي عليه السلام ، أنه كان يحلف الشاهد والراوي عند التهمة .ويجب أن يصرحا في قسمهما بقولهما .
{ لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى} أي لا نشتري بيمين الله ثمنا .أي لا نجعل يمين الله كالسلعة التي تبذل لأجل ثمن ينتفع به في الدنيا ولو كان المقسم له من أقاربنا ، وصح إرجاع الضمير إلى المقسم لأجله للعلم به من فحوى الكلام كقوله تعالى:{ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} [ الأنعام:153] وهذا موافق لقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} [ النساء:135] والمراد أن يقول المقسم أنه يشهد لله بالقسط ولا يصده عن ذلك ثمن يبتغيه لنفسه ، ولا مراعاة قريب له إن فرض أن له نفعا في إقراره وقسمه ، أي ولو اجتمعت المنفعتان كلتاهما .
{ ولا نكتم شهادة الله} ويقولان في قسمهما أيضا:ولا نكتم الشهادة التي أوجبها الله تعالى وأمر بأن تقام له المؤكدة بالحلف به{ وأقيموا الشهادة لله} [ الطلاق:2]{ إنا إذا لمن الآثمين} أي إنا إذا اشترينا بالقسم ثمنا أو راعينا به قريبا بأن كذبنا فيه لمنفعة أنفسنا أو منفعة قرابة لنا ، أو كتمنا شهادة الله كلها أو بعضها بأن ذكرنا بعض الحق وكتمنا بعضا – لمن المتحملين للإثم ، المتمكنين فيه المستحقين لجزائه .والإثم في الأصل ما يقعد بصاحبه عن عمل الخير والبر من معصية وغيرها .وهذا التعبير أبلغ من «إنا إذا لآثمون » .
/خ108