{ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} قد يقول قائلهم إذا سمع ما تقدم:إذا كان التثليث أمرا باطلا لا حقية له ، وكان الإله الح واحدا لا تعدد فيه ولا تركيب من أصول ولا أقانيم ، ولا يشبه الأجسام بذات ولا صفة – فما بال المسيح وما شأنه ؟ هل يعد فردا من أفراد المخلوقات ، لا يمتاز عليها بالذات ولا بالصفات ؟ وهل تعد أمه كسائي النساء ؟ أجاب الله تعالى عن هذه الأسئلة التي يوردها من أكبروا المسيح أن يكون بشرا ، فبدأ بذكر خصوصيته التي امتاز بها على أكثر الناس ، ثم ببيان حقيقته التي يشارك بها كل فرد من أفرادهم ، أما الخصوصية فهو إنه ليس إلا رسولا من رسل الله تعالى الذين بعثهم لهداية عباده ، قد خلت ومضت من قبله الرسل الذي اختصهم الله مثله تعالى بالرسالة وأيدهم بالآيات .فبهذه الخصوصية امتاز هو وإخوته الرسل على جماهير الناس ، وأما أمه فهي صديقة من فضليات النساء ، فمرتبتها في الفضل والكمال تلي مرتبة الأنبياء ، وأما حقيقتهما الشخصية والنوعية فهي مساوية لحقيقة غيرهما من أفراد نوعهما وجنسهما .بدليل أنهما كانا يأكلان الطعام ، وكل من يأكل الطعام فهو مفتقر إلى ما يقيم بنيته ويمد حياته ، لئلا ينحل بدنه وتضعف قواه فيهلك – دع ما يستلزمه أكل الطعام ، من الحاجة إلى دفع الفضلات ، - وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن مساو لسائر الممكنات المخلوقة في حاجتها إلى غيرها ، فلا يمكن أن يكون ربا خالقا ، ولا ينبغي أن يكون ربا معبودا .وإن من سفه الإنسان لنفسه ، واحتقاره لجنسه ، أن يرفع بعض المخلوقات المساوية له في ماهيته ومشخصاته بمزية عرضية لها ، فيجعل نفسه لها عبدا ، ويسمى ما يفتتن بخصوصيته منها إلها أو ربا .
{ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي انظر أيها الرسول أو أيها السامع نظر عقل وفكر .كيف نبين لهؤلاء النصارى الآيات والبراهين على بطلان دعواهم في المسيح ، ثم انظر بعد ذلك كيف يصرفون عن استبانة الحق بها ، والانتقال من مقدماتها إلى نتائجها ؟ كأن عقولهم قد فقدت بالتقليد وظيفتها ؟