{ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} أي كانوا لا ينهى بعضهم بعضا عن منكر ما من المنكرات مهما اشتد قبحها وعظم ضررها ، وإنما النهي عن المنكر حفاظ الدين ، وسياج الآداب والفضائل ، فإذا ترك تجرأ الفساق على إظهار فسقهم وفجورهم ، ومتى صار الدهماء يرون المنكرات بأعينهم ، ويسمعونها بآذانهم .تزول وحشتها وقبحها من أنفسهم ، ثم يتجرأ الكثيرون أو الأكثرون على اقترافها .فالأخبار بهذا الشأن من شؤونهم ، أخبار بفشو المنكرات فيهم ، وانتشار مفاسدها بينهم ، لأن وجود العلة يقتضي وجود المعلول ، ولولا استمرار وقوع المنكرات ، لما صح أن يكون ترك التناهي شأنا من شؤون القوم ودأبا من دؤوبهم .[ وقد بسطنا في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تفسير{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} [ النساء:104] الآية فليراجع في جزء التفسير الرابع وسنعود إليه إن شاء الله تعالى] .
{ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} هذا تأكيد قسمي لذم ما كانوا يفعلونه مصرين عليه من اقترف المنكرات والسكوت عليها والرضاء بها ، وكفى بذلك إفسادا ذلك شأنهم ودأبهم الذي مردوا واصروا عليه ، بينه الله تعالى لرسوله وللمؤمنين عبرة لهم ، حتى لا يفعلهم فيكونوا مثلهم ، ويحل بهم من لعنة الله وغضبه ما حل بهم .روى أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وغيرهم من حديث ابن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلفى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده .فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض – ثم قال ( لعن الذين كفروا – إلى قوله – فاسقون ) ، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم – كلا والله لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر .ثم لتأخدن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ، ولتقصرنه على الحق قصرا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما يلعنهم ){[784]} وورد في المعنى عدة أحاديث ، فهل من معتبر أو مذكر ؟ بل رأينا من آثار غضب الله تعالى مثلما رأى بنو إسرائيل أو قريبا منه ، وقد عرفنا سببه ولم نتركه ، ونراه يزداد بالإصرار على السبب ، ولا نتوب ولا نتذكر ! ! فإلى متى إلى متى ؟ ؟