ثم ذكر الله تعالى لرسوله حالا من أحوالهم الحاضرة التي هي من آثار تلك السيرة الراسخة ، فقال:{ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} أي ترى أيها الرسول كثيرا من بني إسرائيل يتولون الذين كفروا من مشركي قومك ، ويحرضونهم على قتالك ، وأنت تؤمن بالله وبما أنزله على أنبيائهم وتشهد لهم بالرسالة ؛ وأولئك المشركون لا يوحدون الله تعالى ولا يؤمنون بكتبه ولا برسله مثلك ، فكيف يتولونهم ويحالفونهم عليك لولا اتباع أهوائهم ، وسخط الله عليهم ؟{ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ} هذا ذم مؤكد بالقسم لعمل اليهود الذي قدمته لهم أنفسهم ليلقوا الله تعالى به في الآخرة ، وما هو إلا العمل القبيح الذي أوجب سخط الله عليهم ، فالمخصوص بالذم هو ذلك السخط الذي استحقوه ، وليس أمامهم ما يجزون به سواه ، ولبئس شيئا يقدمه الإنسان لنفسه ، فسيجزون به شر الجزاء{ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} فهو محيط بهم لا يجدون عنه مصرفا ، لأن النجاة من العذاب إنما تكون برضاء الله تعالى ، وهم لم يعملوا إلا ما أوجب سخطه .