{ فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ} أصل العقر الجرح وعقر الإبل قطع قوائمها ، وكانوا يعقرون البعير قبل نحره ليموت في مكانه ولا يند ، ثم صار يستعمل بمعنى النحر وهو طعنه في المكان المعروف من حلقه بالمنحر .أسند العقر إلى هؤلاء المستكبرين الكافرين وقيل إلى جميع الكفار من القبيلة والمتعاطي له واحد منهم لأنه بتواطئهم ورضاهم كما قال في آية القمر:{ فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر} ( القمر 29 ) وفي حديث البخاري مرفوعا"فانتدب لها رجل ذو عز ومنعة في قومه كأبي زمعة "{[1193]} ومثل هذا من أعمال الأمم ينسب إليها في جملتها كما أنها تعاقب عليه في جملتها ولو بقي الصالحون فيها لأصابهم العذاب{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} ( الأنفال 25 ) وقد روي عن قتادة أن عاقر الناقة قال:لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين .فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون:أترضين ؟ فتقول نعم ، وعلى الصبي ...حتى رضوا أجمعين فعقروها .
{ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} أي تمردوا مستكبرين عن امتثال أمر ربهم ، ضمن العتو معنى الاستكبار .والعتو في اللغة التمرد والامتناع ، ويكون عن ضعف وعجز ومنه عتا الشيخ وبلغ من الكبر عتيا:إذا أسن فامتنع من المواتاة على ما يراد منه وعن قوة وعتو كوصف الريح الشديدة بالعاتية ، ومنه عتو الجبارين والمستكبرين ، وتوصف النخلة العالية بالعاتية لامتناعها على من يريد جناها إلا بمشقة التسلق والصعود .روى أحمد والحاكم بإسناد حسنه الحافظ ابن حجر عن جابر قال:لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح وكانت الناقة ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم ، وكانت تشرب يوما ويشربون لبنها يوما ، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله وهو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه "{[1194]} .
{ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِين} نادوه باسمه تهوينا لشأنه ، وتعريضا بما يظنون من عجزه ، وقالوا ائتنا لما أوعدتنا له من العذاب ولا تزال مصرا عليه ومعلقا له على مس الناقة بسوء إن كنت من المرسلين من عند الله تعالى وتدعي أن وعيدك تبليغ عنه ، واستعمل الوعد في الشر لأنه عام .