{ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} الرجفة المرة من الرجف وهو الحركة والاضطراب يقال رجف البحر إذا اضطربت أمواجه ، ورجفت الأرض زلزلت واهتزت ورجف القلب والفؤاد من الخوف .وفي حديث الوحي فرجع إلى مكة يرجف بها فؤاده .وفي سورة هود:{ وأخذ الذين ظلموا الصيحة} ( هود 67 ) ونحوه في سورة القمر .وقد اختلف المفسرون في تفسير اللفظين والجمع بينهما فقيل الصيحة صيحة جبريل رجفت منها قلوبهم ، وقيل بل الرجفة الزلزلة أخذتهم من تحتهم ، والصيحة من فوقهم .وجعل الزمخشري الصيحة سببا للزلزلة ، ومن الغريب أن مثل السيد الآلوسي وهو متأخر واسع الاطلاع ينقل هذه الأقوال ويجمع بين الكلمتين بما ذكر ويصحح بحق التعبير عن الصيحة العظيمة الخارقة للعادة بالطاغية وهي الكلمة التي وردت في سورة الحاقة ، وينسى كالذين نقل عنهم أنها الصاعقة وهي الأصل كما ورد في سورة"حم السجدة فصلت "وفي سورة الذاريات فالأول قوله تعالى:{ فأخذتهم صاعقة العذاب الهون} ( فصلت 17 ) والثاني:{ فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون} ( الذاريات 44 ) ولنزول الصاعقة صيحة شديدة القوة والطغيان ، وترجف من وقعها الأفئدة وتضطرب أعصاب الأبدان ، وربما اضطربت الأرض وتصدع ما فيها من بنيان .وسببها اشتعال يحدثه الله تعالى باتصال كهربائية الأرض بكهربائية الجو التي يحملها السحاب فيكون له صوت كالصوت الذي يحدث باشتعال قذائف المدافع وتأثيره في الهواء وهذا الصوت هو المسمى بالرعد ، كما بيناه من قبل .
وأما الصاعقة فهي الشرارة الكهربائية التي تتصل بالأرض فتحدث فيها تأثيرات عظيمة بقدرها كصعق الناس والحيوانات وموتهم وهدم المباني أو تصديعها وإحراق الشجر والمتاع وغير ذلك .هذا ما وصل إليه علم البشر في هذا العصر .ومن الدلائل على صحته أن علمهم بسنة الله تعالى فيه هداهم إلى اتقاء ضرر الصواعق في المباني العظيمة بوضع ما يسمونه قضيب الصاعقة عليها ، فيمتنع بسنة الله نزولها بها ، يجوز أن يكون الخالق القادر المقدر قد جعل هلاكهم في وقت ساق فه السحاب المتشبع بالكهرباء إلى أرضهم بأسبابه المعتادة ، كما يجوز أن يكون قد خلق تلك الصاعقة لأجلهم على سبيل خرق العادة ، وأياما كان الواقع فالآية قد وقعت وصدق الله رسوله في إنذار قومه .
{ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين} دار الرجل ما يسكنه هو وأهله"مؤنثة "وتكون مشتملة على عدة بيوت ، والبلد دار لأهله ، ودار الإسلام الوطن الذي تنفذ فيه شرائعه وهي دار العدل الذي يقيمه الإمام الحق ، ويقابلها دار الكفر ودار الحرب .والجثوم للإنسان والطير كالبروك للإبل فالأول وقوع الناس على ركبهم وخرورهم على وجوههم ، والثاني وقوع الطير لاطئة بالأرض في حال سكونها بالليل .أو قتلها في الصيد ، والمعنى أنهم لم يلبثوا وقد وقعت الصاعقة بهم إن سقطوا مصعوقين ، وجثموا هامدين خامدين .وأصبحوا إما بمعنى صاروا وإما بمعنى دخلوا في وقت الصباح أي حال كونهم جاثمين .