/م85
قال الله تعالى:
{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} قد تقدم مثله من كل وجه في قصة صالح ( ع .م ) إلا أنه ذكر هنا أنه قد جاءتهم بينة من ربهم ، وذكر هنالك آية ، وقد عين الآية بعد الإعلام بمجيئها وهي الناقة .ولم يذكر هنا ولا في سورة أخرى آية كونية معينة لشعيب عليه السلام ، وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم"ما من الانبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة "{[1201]} رواه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة ومعناه أن كل نبي مرسل أعطاه الله من الآيات الدالة على صدقه وصحة دعوته ما شأنه أن يؤمن البشر بدلالة مثله ، وقد يقال إن إنذار قومه بأن يصيبهم ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح إذا هم أصروا على شقاقه وعناده هو آية بينة على صدقه ، وقد صدق إنذاره هذا وهو مبين في قصته من سورة هود .ولكن لا بد أن يكون له آية أخرى دالة على صدقه تقوم بها الحجة عليهم فإن ظهور صدق هذا الإنذار يكون بوقوع العذاب المانع من صحة الإيمان ، فلا فائدة لهم من قيام الحجة به ، على أن البينة كل ما يتبين به الحق فهي تشمل المعجزات الكونية والبراهين العقلية ، والمعروف من أحوال الأمم القديمة أنها لم تكن تذعن إلا لخوارق العادات ، ولو لم تكن البينة التي أيد الله تعالى بها شعيبا ( ع .م ) ملزمة للحجة قاطعة لألسنة العذر ومكابرة الحق لما ترتب عليها قوله:
{ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُم} فإن عطف هذا الأمر بالفاء لا يصح إلا إذا كان مبنيا على ما هو سبب له وهو البينة على صدقه ووجوب طاعته ولو كان معطوفا على قوله ( اعبدوا الله ) لعطف بالواو .
بدأ الدعوة بالأمر بالتوحيد في العبادة لأنه أساس العقيدة وركن الدين الأعظم وقفى عليه بالأمر بإيفاء الكيل والميزان إذا باعوا ، والنهي عن بخس الناس أشياءهم إذا اشتروا ، لأن هذا كان فاشيا فيهم أكثر من سائر المعاصي ، فكان شأنه معهم كشأن لوط ( ع .م ) إذ بدأ بنهي قومه عن الفاحشة السوءى التي كانت فاشية فيهم .كان قوم شعيب من المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس أو وزنوا عليهم لأنفسهم ما يشترون من المكيلات والموزونات يستوفون حقهم أو يزيدون عليه ، وإذا كالوهم أو وزنوهم ما يبيعون لهم يخسرون الكيل والميزان أي ينقصونه ، فيبخسونهم أشياءهم ، وينقصونهم حقوقهم ، والبخس أعم من نقص المكيل والموزون فإنه يشمل غيرهما من المبيعات كالمواشي والمعدودات ، ويشمل البخس في المساومة والغش والحيل التي تنتقص بها الحقوق وكذا بخس الحقوق المعنوية كالعلوم والفضائل ، وكل من البخسين فاش في هذا الزمان ، وأكثر التجار باخسون مطففون مخسرون ، فيما يبيعون وفيما يشترون وأكثر المشتغلين بالعلم والآداب وكتاب السياسة بخاسون لحقوق صنفهم ، ونفاجون فيما يدعون لأنفسهم ، يتشبعون بما لم يعطوا كلابس نوبي زور ، وينكرون على غيرهم ما أعطاه الله باعث البغي والحسد والغرور .
وجملة"ولا تبخسوا الناس أشياءهم "تشعر بأنهم كانوا يتواطؤون على هضم الغريب وبخسه ، وإن كانت تشمل بخس الأفراد بعضهم أشياء بعض ، وهضم الشعب في جملته أشياء الغرباء الذين يعاملونهم ، فقد روي أنهم كانوا إذ دخل الغريب يأخذون دراهمه ويقولون هذه زيوف ، فيقطعونها ثم يشترونها منه بالبخس يعني النقصان وهذه النقيصة فاشية بين الأمم والشعوب في هذا العصر فتجد بعضهم يدم بعضا وينكر فضله كالأفراد وترى تجار في عواصم أوروبا يغالون من الأسعار للغرباء ما يرخصون لأهل البلاد وترى بعض الغرباء يستحلون من نهب أموال المصريين بضروب الحيل والتلبيس ما لا يستحلون مثله في معاملة أبناء جلدتهم ، وأما المصريون وأمثالهم من الشرقيين فهم في معاملة الإفرنج كما قال الشاعر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد *** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا{[1202]}
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة *** ومن إساءة أهل السوء إحسانا
ويا ليتهم يعاملون أنفسهم ومن تجمعهم معهم أقوى المقومات هذه المعاملة ، بل يكثر فيهم من يبخسون أبناء قومهم وملتهم أشياءهم ويهضمون حقوقهم ، ويعظمون الأجنبي ويعطونه فوق حقه .وإنما استذلهم للأجانب حكامهم فهم في جملتهم مبخوسون لا باخسون ، ومظلومون لا ظالمون ، وهم على ذلك مذمومون لا محمودون ، ومكفورون لا مشكورون .
{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} تقدم نص هذه الجملة في آية ( 55 ) خطابا لأمتنا ففسرناها بما يناسب المقام .ونقول فيما يناسب المقام هنا إن الإفساد في الأرض يشمل إفساد نظم الاجتماع البشري بالظلم وأكل أموال الناس بالباطل والبغي والعدوان على الأنفس والإعراض ، وإفساد الأخلاق والآداب بالإثم والفواحش الظاهرة والباطنة وإفساد العمران بالجهل وعدم النظام .وإصلاحها هو ما يصلح به أمرها وحال أهلها من العقائد الصحيحة المنافية لخرافات الشرك ومهانته ، والأعمال الصالحة المزكية للأنفس من أدران الرذائل ، والأعمال الفنية المرقية للعمران وحسن المعيشة فقد قال تعالى في أوائل هذه السورة{ ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون} ( الأعراف 10 ) فقد أصلح الله تعالى حال البشر بنظام الفطرة وكمال الخلقة ومكنهم من إصلاح الأرض بما آتاهم من القوى العقلية والجوارح ، وبما أودع في خلق الأرض من السنن الحكيمة ، وبما بعث به الرسل من مكملات الفطرة ، فالإفساد إزالة صلاح أو إصلاح ، وقد كان قوم شعيب من المفسدين للدين والدنيا كما يعلم من هذه الآية وما بعدها ، والإصلاح ما يكون بفعل فاعل ، وهو إما الخالق الحكيم وحده ، وإما من سخرهم للإصلاح من الأنبياء والعلماء والحكماء الذين يأمرون بالقسط ، والحكام العادلين الذين يقيمون القسط وغيرهم من العاملين الذين ينفعون الناس في دينهم ودنياهم ، كالزراع والصناع والتجار أهل الأمانة والاستقامة ، وهذه الأعمال تتوقف في هذا العصر على علوم وفنون كثيرة فهي واجبة وفقا لقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
{ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} الإشارة إلى كل ما تقدم من أمر ونهي أي هو خير لكم في دينكم ودنياكم لا تكليف إعنات ، فربكم لا يأمركم إلا بما هو نافع لكم ولا ينهاكم إلا عما هو ضار بكم ، وهو على كل حال غني عنكم ، ولو شاء لأعنتكم ولكنه رحيم لا يفعل ذلك ، وإنما تتحقق لكم خبرية ما ذكر إن كنتم مؤمنين بوحدانيته وصفاته تعالى وبرسوله وما جاءكم به عنه سبحانه من الدين والشرع .وسيأتي تعليل ذلك بعد بيان ما قيل في هذا الإيمان .
وقد فسر بعضهم الإيمان هنا بالتصديق اللغوي أي اعتقاد صحة قوله عليه السلام لما هو معروف به عندهم من الصدق والأمانة والنصح .بناء على أن خيرية الأوامر والنواهي الدنيوية لا تتوقف على عبادة الله وحده والإيمان برسالة رسوله .وذهب بعض المفسرين إلى أن الإشارة إلى قوله:{ فأوفوا الكيل} وما بعده دون ما قبله من الأمر بعبادة الله تعالى وحده .وقال الطيبي إن مثل هذا الشرط إنما يجاء به في آخر الكلام للتأكيد .وقال القطب الرازي إن ذلك ليس شرطا للخيرية نفسها بل لفعلهم كأنه قيل فائتوا به إن كنتم مصدقين بي .فلا يرد أنه لا تتوقف للخيرية في الإنسانية على تصديقهم به .وقد أطالوا الاحتمالات في الآية حتى زعم الخيالي أن قوله:{ ذلكم خير لكم} جملة معترضة وهو من خيالاته الغريبة التي انفرد بها .
والصواب أن هذا التذييل كأمثاله في القرآن مقصود بالذات وأن المعنى ذلكم الذي أمرتكم به من عبادة الله وحده وعدم إشراك شيء من خلقه في عبادته لما ترون فيه من خير ترجونه أو ضر تخافونه ومن إيفاء الكيل والميزان بالقسط وما نهيتكم عنه من الإفساد في الأرض ذلكم كله خير لكم في معاشكم ومعادكم .وإنما تتحقق خيريته لكم إن كنتم مؤمنين بالله ورسوله وما جاءكم به من هذه الأوامر والنواهي وغيرها ذلك بأن الإيمان يقتضي الاتباع والامتثال والعمل بجميع ما جاء به الرسول من عند الله وإن خالف الهوى أو لم تظهر له فائدته ومنفعته بادي الرأي ، بل يقتضيه حتى فيما يظن المؤمن أنه مناف لمصلحته ، فتحصل له فوائده ومنافعه وإن لم يعلم أنه علة أو سبب لها بحسب حكمة الله وسننه التي أقام بها نظام العالم الإنساني .فكيف إذا علم ذلك بالتفقه في الدين والوقوف على حكمه وأسراره ككون التوحيد واجتناب نزغات الشرك ترفع قدر الإنسان ، وتطهر عقله ونفسه من الخرافات والأوهام ، وتعتق إرادته من العبودية والذلة لمخلوق مثله مساو له في كونه مخلوقا مسخرا لإرادة الخالق وسننه وإن فاقه في عظمة الخلق أو عظم المنفعة كالشمس ، أو بعض الصفات أو الخصائص كالأنبياء والملائكة وغير ذلك مما عبد من دون الله ، أو في الملك والسلطان ، فإن بعض الناس قد عبدوا الملوك الجبارين فاتخذوهم آلهة وأربابا ، ومنهم من لا يزال يذل لهم ويطيعهم ولو في الباطل والجور ، خوفا منهم ، أو رجاء في رفدهم ، وليس هذا من شأن الموحدين ، قال تعالى:{ فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} ( آل عمران 175 ) فالمؤمن الموحد لا يخضع لأحد لذاته إلا لربه وإلهه ، وإنما يطيع رسوله لأنه مبلغ عنه .
قال تعالى:{ من يطع الرسول فقد أطاع الله} ( النساء 80 ) وقال خاتم رسله"إنما أنا بشر مثلكم إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر "{[1203]} رواه أحمد ومسلم من حديث رافع بن خديج ( رض ) وقال: "إنما أنا بشر مثلكم وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله "{[1204]} رواه أحمد وابن ماجه من حديث طلحة رضي الله عنه بسند صحيح .وقال: "إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها "{[1205]} رواه الجماعة كلهم من حديث أم سلمة رضي الله عنها وفي رواية"فلا يأخذه "بدل تخيير التهديد .وفي بعضها"من حق أخيه "بدلا من"يحق مسلم "وأجمع العلماء على أن هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له .وأن الذمي والمعاهد كذلك .
ومعلوم أن الذمي هو الخاضع لأحكامنا من غير المسلمين ، والمعاهد من بيننا وبينه أو بين قومه معاهدة على السلم .والمراد أن غير المسلم إذا لم يكن حربيا فهو مساو للمسلمين في احترام ماله ونفسه وعرضه وفي أحكام الشريعة التي تصدر بذلك .والشاهد المراد لنا من الحديث أن الحق في شرع الله تعالى مقصود لذاته ، وأن حكم الحاكم ولو كان رسولا من رسل الله إنما ينفذ على الظاهر لأنه حكم بالظاهر دون الباطن ، فإذا علم المحكوم له أنه خطأ في الواقع لم يحل له ديانة والحديث ليس نصا في وقوع الخطأ أو جوازه منه صلى الله عليه وسلم إذ يصح أن يكون ما قاله على سبيل الفرض حتى لا يستعين أحد بخلابة اللسان لدى الحكام على القضاة له بالباطل .
والذين قالوا بجواز خطأ الأنبياء في اجتهادهم قالوا إن الله تعالى لا يقرهم عليه .على أن الحكم هنا بالبينة وهي إنما تكون بحسب الظاهر لا محض الاجتهاد وهذه المباحث ليست من موضوعنا هنا .
هذا مثال لكون التوحيد في العبادة هو لمصلحة الناس وتكريمهم وإعلاء شأنهم .وكذلك سائر العبادات وأحكام الحظر والإباحة حتى ما يسمونه في عرف هذا العصر بالأحكام المدنية قد شرعت لدفع المفاسد وتقرير المصالح العامة والخاصة ، وترى غير المؤمن المتدين لا يلتزم اجتناب كل مفسدة بل يستبيح ما يراه نافعا له وإن كان ضارا بغيره فردا كان أو جماعة أو أمة بأسرها ، فإن مجرد العلم بكون الأمانة خيرا من الخيانة وكون القسط في البيع والشراء وسائر المعاملات خيرا من الغش والخيانة وبخس الحقوق لا يكفي لحمل الجمهور على العمل به ، أولا لأن هذا العلم إجمالي يعرض له عند التفصيل ضروب من الأشكال في تحديد الأمانة والخيانة والقسط والبخس وضروب من الهوى في تطبيق حدودها أو رسومها على جزئياتها ، وضروب من التأويل والشبهات في المساواة بيت القريب والغريب والصديق والعدو والضعيف والقوي والفقير والغني .وأما الدين فيوجب على المؤمن إقامة العدل لذاته بالمساواة كما قال تعالى:{ ولا يرجمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله} ويقول:{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون بصيرا} ( النساء 135 ) .
لم يصل البشر في عصر من عصور التاريخ إلى عشر ما وصلوا إليه في هذا العصر من العلم بالمنافع والمضار والمصالح والمفاسد في الاجتماع البشري في معاملاته وآدابه حتى زعم كثير من الباحثين والمفكرين منهم أنه يمكن الاستغناء بالعلم عن الدين في تربية الأحداث بإقناعهم بمنافع الفضائل كالصدق والأمانة والعدل ومضار الرذائل كأضدادها ، وأن هذا أهدى وأقوى إقناعا من التبشير بثواب الآخرة والإنذار بعذابها .ولكنا نرى رؤساء أو وزراء أرقى الأمم في هذه العلوم يقترفون أفحش الرذائل بالتأويل لها ، وتسميتها بغير أسمائها ، وبالخفاء والحيل ، وما زالوا يراءون الناس في ذلك حتى فضحتهم وفضحت شعوبهم الحرب الأخيرة فثبت بها أنهم شر البشر وأعرقهم في الرذائل العامة كالإفساد في الأرض بالظلم والطمع ، والمباراة في وسائل إفساد الشعوب صحة وأخلاقا واستذلالا ، لأجل الاستلذاذ باستعبادها والاستئثار بثمرات أعمالها .على أنهم يمنون عليها بذلك زعما منهم أنهم يجذبونها به إلى حضارتهم الملعونة المبنية على الإسراف في الشهوات ، واستحلال الفواحش والمنكرات وجعل ذلك من الحرية الشخصية التي يبالغون في مدحها ، وعد هذا الإطلاق سببا للكمال فيها .
هذا وإن منهم من يدعي الجمع بين علوم الحقوق والآداب والفضائل وسنن الاجتماع وبين دين المبالغة في الزهد والعفة والتواضع والإيثار ، وهي الملة المسيحية التي يفتخرون بوصف أممهم بها ، وهم أبعد من جميع خلق الله عنها ، فالتحقيق الذي ثبت بالدلائل العقلية والنقلية والتجارب الدقيقة أن ملكات الفضائل لا تنطبع في الأنفس إلا بالتربية الدينية كما بيناه في مواضع أخرى ، ولذلك تقل السرقة والخيانة في البلاد التي يغلب على أهلها التدين الصحيح كبلاد نجد وأكثر بلاد اليمن على قلة وسائل المحافظة على الأموال فيهما ، وتكثر في غيرها على كثرة تلك الوسائل .
ومن عجيب أمر حكومتنا المصرية أنها تقلد الإفرنج في نظام التعليم وفي إطلاق الحرية الشخصية ، وتغفل عما يجب من التربية الدينية ، حتى أن أداء الصلاة في المدارس اختياري لا يطالب به التلاميذ والطلاب ولا ينكر عليهم تركه .وقد فشت في البلاد الجرائم من قتل وسلب وإفساد زرع وفسق وفجور ، وقد اتخذت عدة وسائل لتقليل هذه الجنايات بعد أن عقدت عدة لجان لدرسها ولكنها لم تأت أدنى عمل لمقاومتها بالتربية الدينية للنابتة ، وبث الوعظ والإرشاد في العامة ، وهو أقرب الوسائل لمنع الفساد في الأرض ، لأن الوازع النفسي أقوى وأعم من الوازع الخارجي ، وإن كان لا بد من الجمع بينهما كما قال الله تعالى:{ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} .