/م85
{ وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِين} أي إن كان بعضكم قد آمن بما أرسلني الله به إليكم من التوحيد والعبادة والأحكام المقررة للإصلاح المانعة من الإفساد وبعضكم لم يؤمن به بل أصروا على شركهم وإفسادهم فستكون عاقبتكم كعاقبة من قبلكم ، فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وبينكم بالفعل ، وهو خير الحاكمين لأنه يحكم بالحق والعدل ، لتنزهه عن الباطل والجور ، فإن لم يعتبر كفاركم بعاقبة من قبلهم ، فسيرون ما يحل بهم .فالأمر بالصبر تهديد ووعيد .
حكم الله بين عباده نوعان:حكم شرعي يوحيه إلى رسله ، وحكم فعلي يفصل فيه بين الخلق بمقتضى عدله وسننه ، فمن الأول قوله تعالى في أول سورة المائدة:{ إن الله يحكم ما يريد} ( المائدة1 ) فإنه جاء بعد الأمر بالوفاء بالعقود وإحلال بهيمة الأنعام إلا ما استثني منها بعد تلك الآية .ومن الثاني ما حكاه تعالى هنا عن رسوله شعيب عليه السلام .ومثله قوله تعالى في آخر سورة يونس خطابا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم{ واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} ( يونس 109 ) وفي معناه ما ختمت به سورة الأنبياء وهو في موضوع تبليغ دعوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم{ قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء ، وأن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين قال رب احكم بالحق .وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} ( الأنبياء 108- 112 ) وإنما حكمه تعالى بين الأمم بنصر أقربها إلى العدل والإصلاح في الأرض وحكمه هو الحق ولا معقب لحكمه فليعتبر المسلمون بهذا قبل كل أحد وليعرضوا حالهم وحال دولهم على القرآن وعلى أحكام الله لهم وعليهم ، لعلهم يثوبون إلى رشدهم ويتوبون إلى ربهم ، فيعيد إليهم ما سلب منهم ، ويرفع مقته وغضبه عنهم .اللهم تب علينا وعافنا واعف عنا ، واحكم لنا لا علينا ، إنك على كل شيء قدير .