{ فأخذتهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} تقدمت هذه الجملة بنصها في بيان عذاب قوم صالح عليه السلام من هذه السورة ( الآية 77 ) فيراجع تفسيرها ( في المجلد الثامن ) وفيه أنه عبر عن عذابهم في سورة هود بالصيحة بدل الرجفة –وكذلك قوم شعيب- والرجفة المرة من الرجف وهو الحركة والاضطراب ، ويصدق برجفان الأرض وهو الزلزلة ومنه{ يوم ترجف الأرض والجبال} [ المزمل:14] وبرجفان القلوب من الهول والخوف ومنه قول عائشة رضي الله عنها في حديث بدء الوحي:فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده{[1208]} - والراجح هنا الأول والمعنى فأخذتهم الزلزلة فأصبحوا في دارهم باركين على ركبهم أو منكبين على وجوههم ميتين .فهذا عذاب أهل مدين عبر عنه هنا بالرجفة وفي سورة هود بالصيحة ، كعذاب ثمود في السورتين وقد بينا وجه الجمع بينهما .
وفي سورة الشعراء أن الله تعالى أرسل شعيبا إلى أصحاب الأيكة وهم غير مدين فإنه وصفه في سورة الأعراف بأنه أخو مدين أي في النسب كما تقدم ولم يصفه في سورة الشعراء بذلك كما وصف من ذكر قبله:نوحا وهودا وصالحا ولوطا عليهم السلام وقد أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله تعالى – من سورة الشعراء{ كذّب أصحاب الأيكة المرسلين} [ الشعراء:26] قالوا كانوا أصحاب غيضة بين ساحل البحر إلى مدين الخ فأفاد هذا أن الله تعالى أرسله إلى قومه أهل مدين وإلى من اتصل بهم إلى ساحل البحر الأحمر وأن حال الفريقين في الكفر والمعاصي كانت واحدة وكان ينذرهم متنقلا بينهم في زمن واحد ، فلا يبعد حينئذ أن يكون العذاب قد أخذ الفريقين في وقت واحد أو وقتين متقاربين ، فكان عذاب مدين بالرجفة والصيحة المصاحبة لها ، وعذاب أصحاب الأيكة بالسموم وشدة الحر الذي انتهى بظلة من السحاب فزعوا إليها يتبردون بظلها ، فأطبقت عليهم فاختنقوا بها أجمعون ، وذهب بعض المفسرين إلى أن عقاب الفريقين واحد وسيأتي بيان ذلك في تفسير سورة الشعراء إن شاء الله تعالى .