ثم أشار تعالى إلى كفاية نفع دعوته للمؤمنين ،الذين هم أولياء الله وحزبه ،وإلى أن الكل لا يرجى منهم الهداية ،كآية{[5976]}:{ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} تسلية عما كان يهمه من إيمانهم ،بقوله سبحانه:{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ} قال الزمخشري:شبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس ،لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات الله فكانوا أقماع القول ،لا تعيه آذانهم .وكان سماعهم كلا سماع .كانت حالهم ،لانتفاء جدوى السماع ،كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع ،وكذلك تشبيههم بالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون .وشبهوا بالعمى حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ،وأن يجعلهم هداة بصراء ،إلا الله عز وجل .فإن قلت:ما معنى قوله:{ إذا ولوا مدبرين} ؟ قلت:هو تأكيد لحال الأصم .لأنه إذا تباعد عن الداعي ،بأن يولي عنه مدبرا ،كان أبعد عن إدراك صوته .انتهى .
وإيراد قوله:{ وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ} إثر ما تقدم ،للمبالغة في نفي الهداية .وقوله تعالى:{ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} أي ما تسمع يجدي نفعا ،إلا من شأنه الإيمان بها .قوله:{ فَهُم مُّسْلِمُونَ} تعليل لإيمانهم بها .كأنه قيل:فإنهم منقادون للحق .وقيل:معناه مخلصون ،من قوله{[5977]}:{ بلى من أسلم وجهه لله} يعني جعله سالما لله خالصا له .