وقوله:( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال ابن عباس:من إيمانهم ، إذا قيل لهم:من خلق السموات ؟ ومن خلق الأرض ؟ ومن خلق الجبال ؟ قالوا:"الله "، وهم مشركون به . وكذا قال مجاهد ، وعطاء وعكرمة ، والشعبي ، وقتادة ، والضحاك ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وهكذا في الصحيحين أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم:لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . وفي الصحيح:أنهم كانوا إذا قالوا:"لبيك لا شريك لك "يقول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"قد قد "، أي حسب حسب ، لا تزيدوا على هذا .
وقال الله تعالى:( إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان:13] وهذا هو الشرك الأعظم الذي يعبد مع الله غيره ، كما في الصحيحين . عن ابن مسعود قلت:يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال:"أن تجعل لله ندا وهو خلقك ".
وقال الحسن البصري في قوله:( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) قال:ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس ، وهو مشرك بعمله ذاك ، يعني قوله تعالى:( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) [ النساء:142] .
وثم شرك آخر خفي لا يشعر به غالبا فاعله ، كما روى حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن عروة قال:دخل حذيفة على مريض ، فرأى في عضده سيرا فقطعه - أو انتزعه - ثم قال:( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )
وفي الحديث:"من حلف بغير الله فقد أشرك ". رواه الترمذي وحسنه من رواية ابن عمر
وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"إن الرقى والتمائم والتولة شرك ".
وفي لفظ لهما:"[ الطيرة شرك] وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل ".
ورواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن يحيى الجزار عن ابن أخي ، زينب [ عن زينب] امرأة عبد الله بن مسعود قالت:كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه ، قالت:وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة فأدخلتها تحت السرير ، قالت:فدخل فجلس إلى جانبي ، فرأى في عنقي خيطا ، قال:ما هذا الخيط ؟ قالت:قلت:خيط رقي لي فيه . قالت:فأخذه فقطعه ، ثم قال:إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إن الرقى والتمائم والتولة شرك ". قالت:قلت له:لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف ، فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها ، فكان إذا رقاها سكنت ؟ قال:إنما ذاك من الشيطان . كان ينخسها بيده ، فإذا رقيتها كف عنها:إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"أذهب البأس رب الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ".
وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد ، عن وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن عيسى بن عبد الرحمن قال:دخلنا على عبد الله بن عكيم وهو مريض نعوده ، فقيل له:تعلقت شيئا ؟ فقال:أتعلق شيئا! وقد قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"من تعلق شيئا وكل إليه "ورواه النسائي عن أبي هريرة .
وفي مسند الإمام أحمد ، من حديث عقبة بن عامر قال:قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"من علق تميمة فقد أشرك "وفي رواية:"من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له "
وعن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"قال الله:أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ". رواه مسلم .
وعن أبي سعيد بن أبي فضالة قال:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه ، ينادي مناد:من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك ". رواه أحمد .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يونس ، حدثنا ليث ، عن يزيد - يعني:ابن الهاد - عن عمرو ، عن محمود بن لبيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ". قالوا:وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال:"الرياء ، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم:اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ".
وقد رواه إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، به .
وقال الإمام أحمد:حدثنا حسن ، أنبأنا ابن لهيعة ، أنبأنا ابن هبيرة ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"من ردته الطيرة عن حاجة ، فقد أشرك ". قالوا:يا رسول الله ، ما كفارة ذلك ؟ قال:"أن يقول أحدهم:اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي ، عن أبي علي - رجل من بني كاهل - قال:خطبنا أبو موسى الأشعري فقال:يا أيها الناس ، اتقوا هذا الشرك ، فإنه أخفى من دبيب النمل . فقام عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا والله لتخرجن مما قلت أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون ، قال:بل أخرج مما قلت ، خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ذات يوم] فقال:"يا أيها الناس ، اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ". فقال له من شاء الله أن يقول:فكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال:"قولوا:اللهم إنا نعوذ بك [ من] أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه ".
وقد روي من وجه آخر ، وفيه أن السائل في ذلك هو الصديق ، كما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي ، من حديث عبد العزيز بن مسلم ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي محمد ، عن معقل بن يسار قال:شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال:حدثني أبو بكر الصديق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل ". فقال أبو بكر:وهل الشرك إلا من دعا مع الله إلها آخر ؟ فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل ". ثم قال:"ألا أدلك على ما يذهب عنك صغير ذلك وكبيره ؟ قل:اللهم ، أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك مما لا أعلم ".
وقد رواه الحافظ أبو القاسم البغوي ، عن شيبان بن فروخ ، عن يحيى بن كثير ، عن الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر الصديق قال:قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا ". قال:فقال أبو بكر:يا رسول الله ، فكيف النجاة والمخرج من ذلك ؟ فقال:"ألا أخبرك بشيء إذا قلته برئت من قليله وكثيره وصغيره وكبيره ؟ ". قال:بلى ، يا رسول الله ، قال:"قل:اللهم ، إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم ".
قال الدارقطني:يحيى بن كثير هذا يقال له:"أبو النضر "، متروك الحديث .
وقد روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ، والنسائي ، من حديث يعلى بن عطاء ، سمعت عمرو بن عاصم سمعت أبا هريرة قال:قال أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه:يا رسول الله ، علمني شيئا أقوله إذا أصبحت ، وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعي . قال:"قل:اللهم ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، رب كل شيء ومليكه ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر الشيطان وشركه ".
وزاد أحمد في رواية له من حديث ليث من أبي سليم ، [ عن مجاهد] عن أبي بكر الصديق قال:أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول . . . فذكر هذا الدعاء وزاد في آخره:"وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم ".