ثم قال تعالى:( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن ) أي:من أخلص العمل لله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى:( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ) الآية [ آل عمران:20] .
وقال أبو العالية والربيع:( بلى من أسلم وجهه لله ) يقول:من أخلص لله .
وقال سعيد بن جبير:( بلى من أسلم ) أخلص ، ( وجهه ) قال:دينه ، ( وهو محسن ) أي:متبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم . فإن للعمل المتقبل شرطين ، أحدهما:أن يكون خالصا لله وحده والآخر:أن يكون صوابا موافقا للشريعة . فمتى كان خالصا ولم يكن صوابا لم يتقبل ; ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ". رواه مسلم من حديث عائشة ، عنه ، عليه السلام .
فعمل الرهبان ومن شابههم وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله فإنه لا يتقبل منهم ، حتى يكون ذلك متابعا للرسول [ محمد] صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة ، وفيهم وأمثالهم ، قال الله تعالى:( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) [ الفرقان:23] ، وقال تعالى:( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ) [ النور:39] .
وروي عن أمير المؤمنين عمر أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي .
وأما إن كان العمل موافقا للشريعة في الصورة الظاهرة ، ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهو أيضا مردود على فاعله وهذا حال المنافقين والمرائين ، كما قال تعالى:( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) [ النساء:142] ، وقال تعالى:( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون ) [ الماعون:4 ، 7] ، ولهذا قال تعالى:( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) [ الكهف:110] . وقال في هذه الآية الكريمة:( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن )
وقوله:( فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور ، وآمنهم مما يخافونه من المحذور ف ( لا خوف عليهم ) فيما يستقبلونه ، ( ولا هم يحزنون ) على ما مضى مما يتركونه ، كما قال سعيد بن جبير:ف ( لا خوف عليهم ) يعني:في الآخرة ( ولا هم يحزنون ) [ يعني:لا يحزنون] للموت .