يقول تعالى إخبارا عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم ، من أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، ثم ينجون منها ، فرد الله عليهم ذلك بقوله:( قل أتخذتم عند الله عهدا ) أي:بذلك ؟ فإن كان قد وقع عهد فهو لا يخلف عهده .
ولكن هذا ما جرى ولا كان . ولهذا أتى ب "أم "التي بمعنى:بل ، أي:بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه .
قال محمد بن إسحاق ، عن سيف بن سليمان عن مجاهد ، عن ابن عباس:أن اليهود كانوا يقولون:هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة . فأنزل الله تعالى:( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) إلى قوله:( خالدون ) [ البقرة:82] .
ثم رواه عن محمد ، عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس ، بنحوه .
وقال العوفي عن ابن عباس:( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) اليهود قالوا:لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة ، [ زاد غيره:هي مدة عبادتهم العجل ، وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة] .
وقال الضحاك:قال ابن عباس:زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا:أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم ، التي هي نابتة في أصل الجحيم . وقال أعداء الله:إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك . فذلك قوله تعالى:( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )
وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة:( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) يعني:الأيام التي عبدنا فيها العجل .
وقال عكرمة:خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:لن ندخل النار إلا أربعين ليلة ، وسيخلفنا إليها قوم آخرون ، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم:"بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم إليها أحد ". فأنزل الله:( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآية .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه رحمه الله:حدثنا عبد الرحمن بن جعفر ، حدثنا محمد بن محمد بن صخر ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا ليث بن سعد ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اجمعوا لي من كان من اليهود هاهنا "فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أبوكم ؟ "قالوا:فلان . قال:"كذبتم ، بل أبوكم فلان ". فقالوا:صدقت وبررت ، ثم قال لهم:"هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ ". قالوا:نعم ، يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أهل النار ؟ "فقالوا:نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اخسئوا ، والله لا نخلفكم فيها أبدا ". ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ ". قالوا:نعم يا أبا القاسم . فقال:"هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ ". فقالوا:نعم . قال:"فما حملكم على ذلك ؟ ". فقالوا:أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك .
ورواه أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، من حديث الليث بن سعد ، بنحوه .