يقول تعالى:هذا كائن يوم القيامة ، ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) كما قال تعالى:( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) [ الزمر:67] وقد قال البخاري:
حدثنا مقدم بن محمد ، حدثني عمي القاسم بن يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:"إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين ، وتكون السماوات بيمينه ".
انفرد به من هذا الوجه البخاري ، رحمه الله .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي الواصل ، عن أبي المليح الأزدي ، عن أبي الجوزاء الأزدي ، عن ابن عباس قال:يطوي الله السماوات السبع بما فيها من الخليقة والأرضين السبع بما فيها من الخليقة ، يطوي ذلك كله بيمينه ، يكون ذلك كله في يده بمنزلة خردلة .
وقوله:( كطي السجل للكتب ) ، قيل:المراد بالسجل [ الكتاب . وقيل:المراد بالسجل] هاهنا:ملك من الملائكة .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا يحيى بن يمان ، حدثنا أبو الوفاء الأشجعي ، عن أبيه ، عن ابن عمر في قوله تعالى:( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) ، قال:السجل:ملك ، فإذا صعد بالاستغفار قال:اكتبها نورا .
وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن ابن يمان ، به .
قال ابن أبي حاتم:وروي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن السجل ملك .
وقال السدي في هذه الآية:السجل:ملك موكل بالصحف ، فإذا مات الإنسان رفع كتابه إلى السجل فطواه ، ورفعه إلى يوم القيامة .
وقيل:المراد به اسم رجل صحابي ، كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي:قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو زرعة ، حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا نوح بن قيس ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس:[ ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب )] ، قال:السجل:هو الرجل .
قال نوح:وأخبرني يزيد بن كعب - هو العوذي - عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال:السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم .
وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة بن سعيد ، عن نوح بن قيس ، عن يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال:السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم .
ورواه ابن جرير عن نصر بن علي الجهضمي ، كما تقدم . ورواه ابن عدي من رواية يحيى بن عمرو بن مالك النكري عن أبيه ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال:كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يسمى السجل وهو قوله:( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) ، قال:كما يطوي السجل الكتاب ، كذلك نطوي السماء ، ثم قال:وهو غير محفوظ .
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه:أنبأنا أبو بكر البرقاني ، أنبأنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي ، أنبأنا أحمد بن الحسن الكرخي ، أن حمدان بن سعيد حدثهم ، عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال:السجل:كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا منكر جدا من حديث نافع عن ابن عمر ، لا يصح أصلا وكذلك ما تقدم عن ابن عباس ، من رواية أبي داود وغيره ، لا يصح أيضا . وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه - وإن كان في سنن أبي داود - منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي ، فسح الله في عمره ، ونسأ في أجله ، وختم له بصالح عمله ، وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة ، ولله الحمد . وقد تصدى الإمام أبو جعفر ابن جرير للإنكار على هذا الحديث ، ورده أتم رد ، وقال:لا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل ، وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم معروفون ، وليس فيهم أحد اسمه السجل ، وصدق رحمه الله في ذلك ، وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث . وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا ، فإنما اعتمد على هذا الحديث ، لا على غيره ، والله أعلم . والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة ، قاله علي بن أبي طلحة والعوفي ، عنه . ونص على ذلك مجاهد ، وقتادة ، وغير واحد . واختاره ابن جرير; لأنه المعروف في اللغة ، فعلى هذا يكون معنى الكلام:( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) أي:على [ هذا] الكتاب ، بمعنى المكتوب ، كقوله:( فلما أسلما وتله للجبين ) [ الصافات:103] ، أي:على الجبين ، وله نظائر في اللغة ، والله أعلم .
وقوله:( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) يعني:هذا كائن لا محالة ، يوم يعيد الله الخلائق خلقا جديدا ، كما بدأهم هو القادر على إعادتهم ، وذلك واجب الوقوع ، لأنه من جملة وعد الله الذي لا يخلف ولا يبدل ، وهو القادر على ذلك . ولهذا قال:( إنا كنا فاعلين ) .
وقال الإمام أحمد:حدثنا وكيع وابن جعفر المعنى ، قالا:حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال:"إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده ، وعدا علينا إنا كنا فاعلين "; وذكر تمام الحديث ، أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة . ورواه البخاري عند هذه الآية في كتابه .
وقد روى ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو ذلك .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله:( كما بدأنا أول خلق نعيده ) قال:نهلك كل شيء ، كما كان أول مرة .