لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته ، وفخره على قومه وبغيه عليهم ، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض ، كما ثبت في الصحيح - عند البخاري من حديث الزهري ، عن سالم - أن أباه حدثه:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ".
ثم رواه من حديث جرير بن زيد ، عن سالم عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .
وقال الإمام أحمد:حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص ، حدثنا الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"بينا رجل فيمن كان قبلكم ، خرج في بردين أخضرين يختال فيهما ، أمر الله الأرض فأخذته ، فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة ". تفرد به أحمد ، وإسناده حسن .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي:حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا أبو معلى بن منصور ، أخبرني محمد بن مسلم ، سمعت زيادا النميري يحدث عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"بينا رجل فيمن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما ، فأمر الله الأرض فأخذته ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ".
وقد ذكر [ الحافظ] محمد بن المنذر - شكر - في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحق قال:رأيت شابا في مسجد نجران ، فجعلت أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله ، فقال:ما لك تنظر إلي ؟ فقلت:أعجب من جمالك وكمالك . فقال:إن الله ليعجب مني . قال:فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر ، فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب .
وقد ذكر أن هلاك قارون كان عن دعوة نبي الله موسى عليه السلام واختلف في سببه ، فعن ابن عباس والسدي:أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تبهت موسى بحضرة الملأ من بني إسرائيل ، وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله ، فتقول:يا موسى ، إنك فعلت بي كذا وكذا . فلما قالت في الملأ ذلك لموسى عليه السلام ، أرعد من الفرق ، وأقبل عليها وصلى ركعتين ثم قال:أنشدك بالله الذي فرق البحر ، وأنجاكم من فرعون ، وفعل كذا و [ فعل] كذا ، لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت ؟ فقالت:أما إذ نشدتني فإن قارون أعطاني كذا وكذا ، على أن أقول لك ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه . فعند ذلك خر موسى لله عز وجل ساجدا ، وسأل الله في قارون . فأوحى الله إليه أني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه ، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك .
وقيل:إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك ، وهو راكب على البغال الشهب ، وعليه وعلى خدمه الثياب الأرجوان الصبغة ، فمر في جحفله ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلام ، وهو يذكرهم بأيام الله . فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوه الناس حوله ، ينظرون إلى ما هو فيه . فدعاه موسى عليه السلام ، وقال:ما حملك على ما صنعت ؟ فقال:يا موسى ، أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة ، فلقد فضلت عليك بالدنيا ، ولئن شئت لتخرجن ، فلتدعون علي وأدعو عليك . فخرج وخرج قارون في قومه ، فقال موسى:تدعو أو أدعو أنا ؟ قال:بل أنا أدعو . فدعا قارون فلم يجب له ، ثم قال موسى:أدعو ؟ قال:نعم . فقال موسى:اللهم مر الأرض أن تطيعني اليوم ، فأوحى الله إليه أني قد فعلت ، فقال موسى:يا أرض ، خذيهم . فأخذتهم إلى أقدامهم . ثم قال:خذيهم . فأخذتهم إلى ركبهم ، ثم إلى مناكبهم . ثم قال:أقبلي بكنوزهم وأموالهم . قال:فأقبلت بها حتى نظروا إليها . ثم أشار موسى بيده فقال:اذهبوا بني لاوى فاستوت بهم الأرض .
وعن ابن عباس أنه قال:خسف بهم إلى الأرض السابعة .
وقال قتادة:ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة ، فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة .
وقد ذكر هاهنا إسرائيليات [ غريبة] أضربنا عنها صفحا .
وقوله:( فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ) أي:ما أغنى عنه ماله ، وما جمعه ، ولا خدمه و [ لا] حشمه . ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله [ به] ، ولا كان هو في نفسه منتصرا لنفسه ، فلا ناصر له [ لا] من نفسه ، ولا من غيره .