يقول تعالى:إن الذين يعتاضون عما عهدهم الله عليه ، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وذكر صفته الناس ، وبيان أمره ، وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة ، وهي عروض هذه الدنيا الفانية الزائلة أولئك لا خلاق لهم في الآخرة أي:لا نصيب لهم فيها ، ولا حظ لهم منها "ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة "أي:برحمة منه لهم ، بمعنى:لا يكلمهم كلام لطف بهم ، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة "ولا يزكيهم "أي:من الذنوب والأدناس ، بل يأمر بهم إلى النار "ولهم عذاب أليم "وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية الكريمة فلنذكر ما تيسر منها:
الحديث الأول:قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا شعبة قال:علي بن مدرك أخبرني قال:سمعت أبا زرعة ، عن خرشة بن الحر ، عن أبي ذر ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم "قلت:يا رسول الله ، من هم ؟ خابوا وخسروا . قال:وأعاده رسول الله [ صلى الله عليه وسلم] ثلاث مرات قال:"المسبل ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ، والمنان ". ورواه مسلم ، وأهل السنن ، من حديث شعبة ، به .
طريق أخرى:قال أحمد:حدثنا إسماعيل ، عن الحريري ، عن أبي العلاء بن الشخير ، عن أبي الأحمس قال:لقيت أبا ذر ، فقلت له:بلغني عنك أنك تحدث حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال:أما إنه لا تخالني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما سمعته منه ، فما الذي بلغك عني ؟ قلت:بلغني أنك تقول:ثلاثة يحبهم الله ، وثلاثة يشنؤهم الله عز وجل . قال:قلته وسمعته . قلت:فمن هؤلاء الذين يحبهم الله ؟ قال:الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه . والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحنوا أن يمسوا الأرض فينزلون ، فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم . والرجل يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن . قلت:ومن هؤلاء الذين يشنأ الله ؟ قال:التاجر الحلاف - أو البائع الحلاف - والفقير المختال ، والبخيل المنان غريب من هذا الوجه .
الحديث الثاني:قال الإمام أحمد:حدثنا يحيى بن سعيد ، عن جرير بن حازم قال:حدثنا عدي بن عدي ، أخبرني رجاء بن حيوة والعرس بن عميرة عن أبيه عدي - هو ابن عميرة الكندي - قال:خاصم رجل من كندة يقال له:امرؤ القيس بن عابس رجلا من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض ، فقضى على الحضرمي بالبينة ، فلم يكن له بينة ، فقضى على امرئ القيس باليمين . فقال الحضرمي:إن أمكنته من اليمين يا رسول الله ذهبت ورب الكعبة أرضي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان "قال رجاء:وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) فقال امرؤ القيس:ماذا لمن تركها يا رسول الله ؟ فقال:الجنة "قال:فاشهد أني قد تركتها له كلها . ورواه النسائي من حديث عدي بن عدي ، به .
الحديث الثالث:قال أحمد:حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من حلف على يمين هو فيها فاجر ، ليقتطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان ".
فقال الأشعث:في والله كان ذلك ، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني ، فقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألك بينة ؟ "قلت:لا ، فقال لليهودي:"احلف "فقلت:يا رسول الله ، إذا يحلف فيذهب مالي . فأنزل الله عز وجل:( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ إلى آخر] الآية:أخرجاه من حديث الأعمش .
طريق أخرى:قال أحمد:حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن شقيق بن سلمة ، حدثنا عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان "قال:فجاء الأشعث بن قيس فقال:ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فحدثناه ، فقال:في كان هذا الحديث ، خاصمت ابن عم لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر لي كانت في يده ، فجحدني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بينتك أنها بئرك وإلا فيمينه "قال:قلت:يا رسول الله ، ما لي بينة ، وإن تجعلها بيمينه تذهب بئري ، إن خصمي امرؤ فاجر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان "قال:وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [ أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم] ) .
الحديث الرابع:قال الإمام أحمد:حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين عن زبان ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إن لله تعالى عبادا لا يكلمهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم "قيل:ومن أولئك يا رسول الله ؟ قال:"متبرئ من والديه راغب عنهما ، ومتبرئ من ولده ، ورجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم ".
الحديث الخامس:قال ابن أبي حاتم:حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا هشيم ، أنبأنا العوام - يعني ابن حوشب - عن إبراهيم بن عبد الرحمن - يعني السكسكي - عن عبد الله بن أبي أوفى:أن رجلا أقام سلعة له في السوق ، فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ، ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزلت هذه الآية:( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) ورواه البخاري ، من غير وجه ، عن العوام .
الحديث السادس:قال الإمام أحمد:حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم:رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده ، ورجل حلف على سلعة بعد العصر - يعني كاذبا - ورجل بايع إماما ، فإن أعطاه وفى له ، وإن لم يعطه لم يف له ". ورواه أبو داود ، والترمذي ، من حديث وكيع ، وقال الترمذي:حسن صحيح .