ثم قال:( قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ) أي:قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم من قبلكم ، فأجيبوا عنها ثم لم يؤمنوا بها ، فأصبحوا بها كافرين ، أي:بسببها ، أي:بينت لهم ولم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد ، وإنما سألوا على وجه التعنت والعناد .
قال العوفي ، عن ابن عباس قوله:( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن في الناس فقال:"يا قوم كتب عليكم الحج ". فقام رجل من بني أسد فقال:يا رسول الله ، أفي كل عام؟ فأغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضبا شديدا فقال:"والذي نفسي بيده لو قلت:نعم لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، وإذا لكفرتم ، فاتركوني ما تركتكم ، وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ". فأنزل الله:( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة ، فأصبحوا بها كافرين . فنهى الله عن ذلك وقال:لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا ، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه رواه ابن جرير .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) قال:لما نزلت آية الحج ، نادى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الناس فقال:"يا أيها الناس ، إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا ". فقالوا:يا رسول الله ، أعاما واحدا أم كل عام؟ فقال:"لا بل عاما واحدا ، ولو قلت:كل عام لوجبت ، ولو وجبت لكفرتم ". ثم قال الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ) إلى قوله:( ثم أصبحوا بها كافرين ) رواه ابن جرير .
وقال خصيف ، عن مجاهد عن ابن عباس:( لا تسألوا عن أشياء ) قال:هي البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ، ألا ترى أنه يقول بعد ذلك "ما جعل الله من بحيرة ولا كذا ولا كذا "، قال:وأما عكرمة فقال:إنهم كانوا يسألونه عن الآيات ، فنهوا عن ذلك . ثم قال:( قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ) رواه ابن جرير .
يعني عكرمة رحمه الله:أن المراد بهذا النهي عن سؤال وقوع الآيات ، كما سألت قريش أن يجري لهم أنهارا ، وأن يجعل لهم الصفا ذهبا وغير ذلك ، وكما سألت اليهود أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، وقد قال الله تعالى:( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) [ الإسراء:59] وقال تعالى:( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون . ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون . ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون ) [ الأنعام:109 - 111] .